المقدمة:
دامت مقاومة الشعب الجزائري من أجل الإنتصار على الإستعمار طيلة قرن واثنان وثلاثون عام، ومع بداية القرن العشرين للميلاد تشكلت تيارات فكرية سياسية في شكل كفاح سياسي منظم مناهض للاستعمار وكل أشكال الظلم والتعسف المسلط على الشعب الجزائري.
وعليه فإن موضوع بحثنا هذا يتمركز حول فترة من نضال وكفاح السياسي الجزائري وبالخصوص تقديم تحليلا تاريخيا سياسيا لأحد أحزاب الحركة الوطنية الجزائرية المتمثل في حركة الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري فكيف تأسس هذا الحزب وما هي أهم توجهاته السياسية ومواقفه من الأوضاع التي تمر بها الجزائر في ذلك الوقت.
المقدمة: 1
الفصل الأول: الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري 2
المبحث الأول: ظروف تأسيس الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري 2
المبحث الثاني: تأسيس الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري 3
المبحث الثالث: البرنامج السياسي للحزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري 4
المبحث الرابع: مشروع الدستور الجزائري 4
المبحث الخامس: موقف الحزب من قانون الجزائر التنظيمي 5
المبحث السادس: نضاله داخل الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها: 6
الفصل الثاني: الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري و موقفه من بعض القضايا الوطنية 8
المبحث الأول: الموقف من مجازر الثامن ماي 1945 8
المبحث الثاني: الموقف من الشخصية الجزائرية 8
المبحث الثالث: الموقف من قضية الاستقلال 9
المبحث الرابع: الموقف من توحيد الحركة الوطنية 9
المبحث الخامس: الموقف من الإسلام واللغة العربية 10
المبحث السادس: الموقف من القضية الفلسطينية 10
الفصل الثالث: موقف الحزب من حرب التحرير 1954 – 1962 11
المبحث الأول: موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من الثورة في عامها الأول 11
المبحث الثاني: تطور موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من الثورة في عامها الثاني 12
المبحث الثالث: إلتحاق فرحات عباس بالثورة الجزائرية: 12
المبحث الرابع: موقف فرحات عباس من مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 13
الخاتمة: 13
الفصل الأول: الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري
المبحث الأول: ظروف تأسيس الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري
في إطار العفو الشامل الذي قررته الإدارة الفرنسية تم الإفراج عن السيد فرحات عباس يوم 16-3-1946 وقد كانت الفترة التي قضاها في السجن والتي دامت واحد وأربعين أسبوعا كافية ليعيد النظر في تجربة حركة أحباب البيان والحرية.
وإذ أن الاعتقال التعسفي قد ساهم في الحد من الانطلاقة الثورية لدى ذلك الزعيم الذي ارتبط اسمه ببيان الشعب الجزائري فانه بالمقابل قد رسخ قناعته بضرورة بعث الجمهورية الجزائرية الديمقراطية المستقلة استقلالا داخليا في إطار الاتحاد الفرنسي، وبمجرد خروجه من السجن راح يكثف الاتصالات الإطارات القريبة منه سياسيا يطرح أمامهم أفكاره الجديدة ويستشيرهم من أجل ضبط الخطوط العريضة لكيفية إنشاء حزب جديد ووضع برنامج سياسي الذي يجب أن يكون قادرا على تعبئة جزء كبير من الطاقات الحية في أواسط المجموعتين الفرنسية والإسلامية على السواء ولكي يعطي لنشاطه إطارا قانوني رحل إلى فرنسا يطلب رأي اشيل ماستر مدرس الحقوق في جامعة تولوز الفرنسية حول موقف دستور الجمهورية الرابعة من إمكانية تحويل ولاية الجزائر إلى دولة تحتفظ فيها بشؤون السيادة.
و لم ينتظر فرحات عباس خروجه من السجن ليعبر رعن مواقفه السياسية اتجاه الأحداث التي وقعت أو نظرته المستقبلية للعمل السياسي، بل أنه حرر رسالة و هو بالسجن سنة 1946 أعطى فيها كل أفكاره حول العمل السياسي و موقفه من التشكيلات السياسية الأخرى، وقد صاغه في شكل نداء موجه إلى الشبان المسلمين والفرنسيين بمناسبة عيد الطبقة العاملة في أول ماي 1946 أي بعد خروجه من السجن بستة أسابيع.
و تدور هذه الوصية التي أعطاها عنوان "وصيتي السياسية حول مجموعة من المحاور نذكر منها:
• تبرئة نفسه و كذلك حزب أحباب البيان و الحرية من أية مسؤولية عما وقع في ماي 1945 ، كما يرى أن وضعية الفلاحين المتردية تمثل المشكل الرئيسي الذي تعاني منه البلاد.
• نبذ العنف و اعتباره جريمة ضد الشعب، و قد أثبت هذا السلوك في نظره فشله باعتباره طريقا للانتحار أكثر منه شيئا آخر. و ينصح في هذا المقام الفلاحين بترك تلك الأعمال لشذاذ الآفاق و المتشردين و يقصد هنا فرحات عباس عناصر حزب الشعب باعتبارهم مسؤولين عن المجزرة يوم 8 ماي 1945.
• دعوة الشباب الجزائري إلى نبذ التعصب الديني و الروح القبلية الضيقة مع دعوتهم إلى إظهار الاستعداد للتعايش مع كل الأديان و الأعراق و الإلتزام بمبادئ النظام الجمهوري في ظل الحرية و الديموقراطية، و يتضح من خلال هذا أن فرحات عباس لم يحد عن سياسته المطالبة بالحكم الذاتي في إطار المنظومة الفرنسية.
المبحث الثاني: تأسيس الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري
بينما كان معظم زعماء الأحزاب الوطنية وراء الأسوار في السجون نتيجة مجازر الثامن من ماي 1945 م ظهر من جديد الدكتور إبن جلول وبعض أنصاره، وعادوا إلى الدعوة لتطبيق سياسية الإندماج التي أصبحت منبوذة، ولا تلائم الواقع الوطني، ولم يقدر لمثل هذه الحركة أن تنجح لأن الناس أصبحوا يرفضونها رفضا باتا بعد أن رأوا بأعينهم وشاهدوا التطورات العالمية التي نتجت عن الحرب.
وبعد أن صادق المجلس التأسيسي الفرنسي الأول على قانون مشروع العفو عن المساجين أطلق سراح و فرحات عباس و غيرهما من الزعماء الوطنيين يوم 16 مارس 1946 م، فقام عباس ورفاقه بتأسيس حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ''UDMA'' يوم 16 أفريل 1946 وجعل شعاره "نعم للإستقلال، نعم للإرتباط بفرنسا في شكل جمهورية جزائرية"، وقد ضم ثلة من المثقفين الجزائريين منهم أطباء ومحامين.
وغني عن البيان أن التيار الإصلاحي قد استخدم عدة وسائل في سبيل تطبيق برنامجه بالإضافة إلى الوسائل التنظيمية والبشرية التي تتمثل في هياكل الحزب، أو الّتيار، والإطارات الحزبية والمنخرطين فهو استخدم عدة وسائل منها الصحافة، من خلال عنوانين لصحيفتين من 1927 إلى 1954 ، العنوان الأول وهو جريدة "Egalité" ، وهي لسان حال أحباب البيان والحرية التي صدرت بتاريخ نوفمبر 1944 ، والعنوان الثاني وهو جريدة الجمهورية " La République Algérienne " ، وهي لسان حال الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، التي تأسست بعد حلّ حزب أحباب البيان في مارس 1946 م والتي استمرت في الصدور إلى غاية انضمام فرحات عباس إلى جبهة التحرير الوطني سنة 1956.
إلى جانب هذه الصحف ، فقد أصدر حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري جريدة تحت اسم " الوطن " بالعربية سنة 1948 ، ومنشور آخر تحت اسم " Orient – Afrique " و هي مجلة شهرية باللغتين العربية والفرنسية في جانفي 1954 تابعة للإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، إضافة إلى وسيلة الصحافة استثمر هذا التيار وسيلة الوفود من أجل تبليغ مطالبهم إلى السلطات الاستعمارية في باريس أو الجزائر، قصد إيجاد حلول لها.
و أصبحت أفكارهم غير بعيدة عن ما كان يدعو إليه زعماء حزب الشعب أي تحقيق الاستقلال الذاتي التام و عضو في الإتحاد الفرنسي كدولة مشتركة، وجاء ذلك جليا من خلال قولهم: " لا نريد إدماجا، ولا أسيادًا جددًا ولا إنفصالا، بل غايتنا هي إبراز شعب فتي يتكون تكوينا ديمقراطيا واجتماعيا ويجهز في الميدان الصناعي والعملي ويشترك مع دولة فتية قوية وحرة وغايتنا هي إنشاء دولة تقود خطاها الديمقراطية الفرنسية، هذه هي الصورة التي كنا نحلم بها وهذا ما كانت تسعى إليه بالضبط حركتنا الرامية إلى بعث الجزائر".
المبحث الثالث: البرنامج السياسي للحزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري
اعتمد فرحات عباس برنامجه السياسي في مقدمته على شعار (لا للاندماج، لا لسادة الجدد، لا للانفصال ) وذلك مراعاة للرأي العام الفرنسي المناهض لفكرة الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتقويض أركان الاستعمار
كما تضمن البرنامج مجموعة من المحاور من أهمها ما يلي:
1. المساواة المطلقة: ويكون ذلك بواسطة القضاء على الاختلافات العرقية والتحقير بواسطة القوانين والمراسيم والإجراءات التعسفية التي تهدف إلى إبقاء الشعب في حالة التبعية الدائمة.
2. التربية التي تستهدف الإنسان من أجل تكوين مواطن حر يكون متشبعا بالواجب الاجتماعي ومدركا لمهمته الحضارية.
3. العلم والتكنولوجية يجب أن تكون متاحة للعموم دون تمييز عرقي أو ديني كما يمكن اعتبار العربية كلغة وطني ورسمية في البلاد
ولقد كان السيد فرحات عباس قبل نشر النداء وتوزيعه في سائر أنحاء قد تمكن من جمع كوكبة من الإطارات المؤمنة بأفكاره والمستعدة للنضال في سبيلها وقدم أوراق اعتماد حزبه في منتصف أفريل من اجل المشاركة في الانتخابات التشريعية في 2-6-1946 لتعيين مجلس التأسيسي الثاني وخصص للجزائريين ثلاثة عشر مقعدا.
وبعد مضي أشهر على عودة فرحات عباس إلى الساحة السياسية من خلال تنظيم الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، استطاع أن يصبح هيئة نشطة ومنظمة لكل السنوات 1947– 1954، جعلته يمر بمرحلة غرور بقوته السياسية أمام السبع الممتدة بين الرأي العام الأهلي والرأي العام الفرنسي بفوزه ب 11 مقعدا من أصل 13 مقعد في المجلس الفرنسي في جوان 1946 تم 4 مقاعد في مجلس الجمهورية في ديسمبر 1946 م، وعليه لعب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري دورا كبيرا في الدفاع عن القضية الوطنية بمطالبته بتحطيم الاستعمار الفرنسي.
المبحث الرابع: مشروع الدستور الجزائري
اعتبر فرحات عباس وأتباعه أنهم يمثلون التيار البرجوازي الإصلاحي في الجزائر هدفها إقامة جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا بمحض إرادتها، لها ألوانها الوطنية وتسيرها حكومة مستقلة.
وهذا الطريق المعبر عنه بكل وضوح خاصة في مشروع الدستور الذي قدمه للمجلس التأسيسي الثاني بتاريخ 9/8/1946 وقد استغرق فرحات عباس عشر سنوات لإعداده، كما أن دخول الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري معركة الانتخابات التشريعية قرار وجد معارضة لا جدال فيها من طرف حزب الشعب الجزائري المحظور ومناضليه الذين رفعوا شعار: من انتخب فقد كفر ومع امتناع نصف عدد الناخبين من المجموعة الثانية فان حزب فرحات عباس قد فاز بـ 11 مقعدا.
وكان هذا النجاح حافزا لعباس ورفاقه بشن حملة واسعة ضد الإدماج ودعاته ونشط نواب الحزب في العمل وحرروا مشروع الدستور الجديد للجزائر، يقترح إنشاء جمهورية جزائرية وقدموه للبرلمان الفرنسي ومن أهم ما يحتويه هذا المشروع:
- إنشاء جمهورية جزائرية مستقلة استقلالا ذاتيا لها حكومتها الخاصة، وعلمها الخاص تعرف بها الجمهورية الفرنسية.
- تدخل هذه الجمهورية عضوا في الاتحاد الفرنسي كدولة مشاركة وتكون العلاقات الخارجية والوطنية للدولتين معا تشرف عليهما سلطات الاتحاد، وتشارك الجزائر في ممارسة تلك السلطات.
- تتمتع الجمهورية الجزائرية بالسيادة المطلقة على جميع القطر وتشرف على جميع المرافق الداخلية ومنها الشرطة.
- يتمتع كل فرنسيي الجزائر بالجنسية الجزائرية وبجميع الحقوق التي للجزائريين وبالمثل يتمتع جزائريو فرنسا بالجنسية الفرنسية وبجميع الحقوق التي للفرنسيين.
- ينتخب برلمان جزائري بالاقتراع العام، تكون له السلطات التشريعية فقط أما السلطات التنفيذية فتوضع في رئيس الجمهورية الذي يساعد مجلس النواب.
- يمثل فرنسا في الجزائر ممثل عام تقبل به حكومة الجزائر ويتمتع بصلاحيات استشارية فقط
- تكون اللغتان العربية والفرنسية رسميتان معا في الجمهورية الجزائرية ويكون التعليم إجباريا بهما معا في كل مراحل التعليم التي تجعلها حكومة الجزائر في متناول الجميع.
وفي أكتوبر 1946 م صادق الشعب الفرنسي على دستور الجمهورية الرابعة الذي نص فيه" على أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا" فكان ذلك خيبة أخرى للمعتدلين أيضا، وباتت فكرة الإندماج هي الرابحة نظريا خاصة البند 82 من الدستور الفرنسي الذي ينص على عدم تنويع المواطنين الفرنسيين بسبب إختلاف الأحوال الشخصية، التي لن تكون أبدا السبب في حرمان أي مواطن من الحقوق والحريات التي تتعلق بالجنسية الفرنسية وزيادة على هذا فإن الدستور الجديد أبقى على مبدأ القسمين في الإنتخابات، الدرجة الأولى والدرجة الثانية، والتساوي في النيابة بين المسلمين والفرنسيين، وذلك يعني تسوية عشرة ( ملايين مسلم مقابل ( 800.000 ) ثمان مائة ألف أوروبي وكان منطق السلطات الفرنسي.
المبحث الخامس: موقف الحزب من قانون الجزائر التنظيمي
لقد كان لتحركات ممثلي الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري تأثير بالغ الأهمية على منتخبي المجموعة الثانية الذين استطاعوا التخلي عن فكرة الاندماج والمساواة والمطالبة بالحقوق الاجتماعية لكن نشاط ممثلي الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري اقلق الكولون لما له تهديد على مصالحهم لهذا جندت الحكومة الفرنسية لاستبعاد مشروع الحزب واستبداله بالمشروع المقدم من قبلها الذي أعده الأستاذ فيرد 1946.
ولذلك تمت المصادقة على هذا القانون يوم20 سبتمبر 1947 في المجلس الوطني الفرنسي بـ 322 صوت مقابل 92 صوت وإمتناع 193 صوت.
لقد عرف مشروع قانون الجزائر التنظيمي كأحد المراسيم والقوانين التي فرضت على الجزائر منذ السنوات الأولى من الغزو ويشمل القانون على ثماني أبواب وستين مادة ويهدف بالدرجة الأولى إلى فصل طبقة النخبة عن الجماهير التي ترغب السلطات في إبقائها في حالة تبعية لذلك رفض النواب الوطنيين التصويت عليه كما أن إقرار القانون في غياب نواب لشعب الجزائري احدث موجة من ردود الفعل العنيفة لدى الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي بدوره طالب نوابه بالاستقالة.
حيث أن الإتحاد لم يرى في الاستقالة من مجلس الجمهورية هزيمة كما أنه لم يعتبر عدم التواجد في البرلمان الفرنسي خسارة وراح ينفق طاقاته في مجالات أخرى مثل الربط مع الجماهير الشعبية والاستعداد لخوض المعارك الانتخابية والعمل على إيجاد الظروف الموضوعية الملائمة لتوحيد سائر الحركة الوطنية وفق تصوره للمجتمع الجزائري الجديد
المبحث السادس: نضاله داخل الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها:
لقد جرب الاتحاد الديمقراطي جميع أنواع المرونة في التعامل مع الإدارة الاستعمارية، بهدف إنهاء النظام الاستعماري لكنه إقتنع أن الكولون والإدارة غير مستعدين للتنازل عن الجزائر، مستخدمين جميع الوسائل وإمكانيات العنف والقمع واللجوء إلى كل أساليب التزييف لمنع الجزائريين المشاركة في تسيير شؤون بلادهم.
وعليه فإن الإتحاد بدأ العمل على إيجاد تحالف مع الحركة الوطنية حسب أهميتها الظروف التي تمر بها البلاد وهي عوامل تساعد على تشكيل تحلف بين أجنحة الحركة الوطنية يمكن إبرازها في النقاط التالية:
- إقتناع حركة الانتصار بان تحرير الجزائر يتطلب تضافر جميع الجزائريين.
- إكتشاف المنظمة الخاصة من طرف السلطات الاستعمارية في مارس 1950.
- توجه جمعية العلماء المسلمين نحو النضال ضد الاستعمار.
- إرتفاع العديد من الأصوات الداعية إلى ضرورة الإتحاد باعتباره مطلبا جماهيريا ساعدت الصحف على انتشاره منها جريدتي البصائر والجزائر الجديدة ( شيوعية)
وبالفعل اجتمعت الحركة الوطنية بمختلف اتجاهاتها في 05 أوت 1951 م بقاعة السينما"دنيا ا زد" ضمت ممثلون عن الاتحاد الديمقراطي، وجمعية العلماء وحركة انتصار للحريات الديمقراطية، والحزب الشيوعي. وأعلنوا عن تأسيس "الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها" وحددت أهدافها حول: إلغاء إنتخابات 17 جوان 1951 م، واحترام الحريات الأساسية وحرية الرأي والصحافة، الاجتماع، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفض الإجراءات التعسفية وإنهاء تدخل الإدارة في شؤون الدين الإسلامي للجزائريين.
حيث شارك في الاجتماع الذي عقدته الأحزاب الوطنية المغاربية في مقر إقامة الزعيم الحاج مصالي بحي شانتي الباريسي يوم 28 جانفي 1952 م قصد التشاور حول القضية التونسية، وقد توجه ببيان معبر عن المساندة المطلقة للكفاح الذي يخوضه الشعب التونسي بقيادة زعيمه الأستاذ الحبيب بورقيبة.
ونظرا لاختلاف الأحزاب الإيديولوجي والسياسي ولأن الدافع كان ظرفيا ما لبث أن وقع انشقاق في هذا التحالف عندما لم يستجب الحزب الشيوعي الجزائري لنداء مقاطعة الانتخابات وقدم مرشحين له بمناسبة إنتخاب مجالس المقاطعات في أكتوبر 1951 م واقتصر نشاط الجبهة بعدها حول الالتفاف على مشاكل معينة، مثل: مكافحة القمع، والدفاع عن حرية الصحافة، وهذه الاهتمامات بعيدة عن ما كانت تأمله حركة الانتصار حول هدف تحقيق الاستقلال، وظهر أن مصير الجبهة هو الإخفاق وذلك ما حدث فعلا سنة 1952 م لأسباب إيديولوجية وشخصية واختلاف في المنطلقات والأهداف..
وبمناسبة إحياء الذكرى الأولى للثورة المصرية في جويلية 1953 م وجه الجنرال نجيب، والعقيد جمال عبد الناصر دعوة لفرحات عباس للمشاركة في هذه المناسبة إلى جانب شخصيات أخرى، فذهب فرحات عباس مع أحمد بومنجل إلى القاهرة ، وهناك استقبل استقبالا حارا، وبالقاهرة فتح مكتبا لحزب الإتحاد الديمقراطي.
الفصل الثاني: الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري و موقفه من بعض القضايا الوطنية
المبحث الأول: الموقف من مجازر الثامن ماي 1945
هب الشعب الجزائري مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، معبرا عن فرحته بانتصار فرنسا وحلفائها على النازية الألمانية في مظاهرات سلمية رفع خلالها لافتات
كتب عليها تحيا الجزائر المستقلة '' أطلقوا سراح '' « مصالي الحاج » " تحيا الجزائر " و" لِتسقط الإمبريالية "، كان ذلك في يوم الثلاثاء الموافق للثامن من ماي 1945 قام فيه الاستعمار بتحويل المظاهرات السلمية إلى مجزرة رهيبة بقصد خلق الفزع في النفوس، وحل الأحزاب السياسية المناهضة له ولسياسته الهادفة إلى الاستئثار بالسلطة والاستيطان، وبالفعل قامت السلطة الفرنسية بحل حركة أحباب البيان التي أسسها فرحات عباس يوم 14 /03/1944 ، وقد أستشهد خلال تلك المجزرة 45000 جزائري.
وعليه كانت تلك المجزرة الرهيبة التي قام بها الاستعمار الفرنسي بمثابة "الصاعق - المفجر" التي أيقظت التيار (الإصلاحي الاندماجي) من تأثير تبعيته لفرنسا، غير مواقفه من الاستعمار فأضحى يرفض أي سياسية اندماجية.
كما صرّح عباس بأن أحداث 08 ماي 1945 أدت إلى دفن سياسته المطالبة بالاندماج التي انتهجها هذا التيار منذ 1927 و رفع محّلها مطالب الاستقلال.
وعليه فبعد مجازر الثامن ماي اكتملت عملية تحول الاتجاه السياسي للتيار الإصلاحي الاندماجي ليعتنق الاتجاه الاستقلالي، فعلى إثر مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون العفو الشامل على المساجين أُطلق سراح فرحات عباس يوم 16 مارس 1946 الذي عاد من جديد إلى مواصلة نضاله السياسي ، فأنشأ في أفريل 1946 حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ''UDMA''. وقد وجه على إثره بيانا إلى الشباب الجزائري الفرنسي والمسلم يدعوه إلى العمل السلمي والتضامن وتحطيم النظام الاستعماري،و طرح عليهم نفس برنامج أحباب البيان الذي تلخصت مبادئه في " لا نريد إدماجا و لا أسيادا جددا ولا انفصالا، غايتنا هي إبراز شعب فتي تقود خطاها الديمقراطية الفرنسية ".
المبحث الثاني: الموقف من الشخصية الجزائرية
احتل فرحات عباس المقام الأول بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وتعاظم دوره إلى حد أنه أصبح رمز الوطنية الجزائرية، حيث تبلورت رؤى جديدة في فكره تجاه قضية الشخصية الجزائرية، وهو ما عكسته تصريحاته الإعلامية حيث سئل فيه عن موقفه وما يعنيه تأسيس الشخصية ، الجزائرية، فأجاب: " الشخصية الجزائرية في نظري ترتكز على حق المواطنة الجزائرية لكل سكان الجزائر سواء كانوا أوروبيين أو يهود أو عرب، بدون أي تفرقة" من خلال مقياس "سكان الجزائر"،حيث انع نص المواطنة يتكون من نوعين الأولى تسير بالقانون المدني و الثانية تسير بالقانون الإسلامي
وبعد موافقة البرلمان الفرنسي بتاريخ 20 ديسمبر 1947 على القانون الجديد للجزائر، الذي منح نوعا من الشخصية الجزائرية للجزائريين في إطار الجمهورية الفرنسية ، إذ تم تكوين مجلس جزائري بهيئتين إنتخابيتين متساويتين 60 مقعدا للكولون، و60 مقعدا للمسلمين، وهو ما يعبر عن استجابة لِمطالب الحركة الوطنية منذ حركة الأمير خالد، لكن تبين فيما بعد ان نظام التصويت يخدم الكولون لذلك استقال 4 نواب من حركة الاتحاد الديمقراطي احتجاجا على القانون، لكن نواب حركة انتصار الحريات الديمقراطية لم يستقيلوا، وبقوا يحّتجون على القانون من داخل البرلمان في فرنسا.
وهكذا زادت خيبة أمل التيار الإصلاحي الوطني بسبب نفس الإستراتجية المنتهجة من طرف الاستعمار الفرنسي ، وتأكد لهذا التيار عدم جدوى أسلوب التغيير و فعالية النظام عن طريق الثورة بالقانون، و هو ما دفع به إلى رفض المشاركة في انتخابات المقاطعات التي جرت في أكتوبر 1951 ، بسبب حملات التزوير المتكررة التي أصبحت تقوم بها الإدارة الاستعمارية وجدير بالإشارة إلى أنه أصبحت له تقاليد حزبية، إذ أنه قام منذ تأسيسه بعقد عدة مؤتمرات (الأول في سنة 1948 بسطيف، و المؤتمر الثاني ُنظم في أوت 1949 بتلمسان، و الثالث أيام 9 ،8 ،7 سبتمبر 1950 بقسنطينة، في حين عقدت حركة انتصار الحريات الديمقراطية منذ تأسيسها سنة 1947 مؤتمرين، الأول في أكتوبر 1947 ، الثاني في أفريل 1953.
تبنى "فرحات عباس" في المؤتمر الأول من 25 إلى 27 سبتمبر 1948 ، المبادئ التالية:
- حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها
- استمرار الإمبراطورية الفرنسية
- تحرير المسجونين السياسيين
- إلغاء الانتخابات المزورة
- التأكيد على التعليم.
المبحث الثالث: الموقف من قضية الاستقلال
بعد تأسيس حركة "أحباب البيان والحرية" انعقد في 04 ،03 ،02 مارس 1945 مؤتمر كبير طالب المؤتمرون فيه بإطلاق سراح الحاج مصالي، وعبر عباس عن أفكاره في هذا التجمع وقال إن الجزائر شهدت نزول قوات أجنبية مرتين، الأولى في سيدي فرج والثانية في وهران والجزائر، وتحمل الثانية بشرى أكثر من الأولى. لم يستطع عباس أن يسيطر على عقول المؤتمرين، فقد طالبوا بالإعتراف بالهوية الجزائرية، وإقامة دستور جزائري ديمقراطي وجمهوري، وبرلمان منتخب يحل محل المجالس الجزائرية، وكذا إلغاء الحكومة العامة و تكوين حكومة جزائرية تكون مسؤولة أمام البرلمان، وأخيرا الاعتراف بالألوان الجزائرية.
وعليه يتبين لنا بوضوح تطور مواقف فرحات عباس ، بحيث أنه أصبح يطالب بتأسيس أمة جزائرية مستقلة استقلالا ذاتيا وهذا بالرغم من أن فرحات عباس ظل يؤمن بالثورة بالقانون.
المبحث الرابع: الموقف من توحيد الحركة الوطنية
كانت أول مبادرة لإرساء قواعد تنظيمية سياسية وحتى قانونية لظاهرة التحالفات السياسية في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية هي قيام المؤتمر الإسلامي سنة 1936.
وعلى إثر مرسوم 07 مارس 1944، قام فرحات عباس بتاريخ 14 مارس 1944 بعدة
مساعي تنسيقية لتحضير برنامج سياسي موحد، أخذ فيه بعين الاعتبار آراء كل الشخصيات والقيادات التي اتصل بها، وعلى الأخص مصالي الحاج الذي استضافه في بيته لمدة يومين بسطيف. كما استخدم التيار الإصلاحي وسيلة أخرى للضغط على الحكومة الفرنسية تمثلت في تقديم الاستقالات الجماعية و الفردية، و ذلك طيلة الفترة الممتدة من 1930 حتى 1954، إضافة إلى هذه الوسيلة استخدم الّتيار وسيلة أخرى تمثلت في الحملات الانتخابية التي كان يقوم بها المرشحون لتعبئة وتجنيد الرأي العام للأهالي لفرض مطالبهم أمام الإدارة الاستعمارية.
المبحث الخامس: الموقف من الإسلام واللغة العربية
"يسبح الشعب الجزائري في الإسلام كما يسبح السمك في الماء"، هذه المقولة ليست "لعبد الحميد بن باديس" مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ولا لخليفته الشيخ "البشير الإبراهيمي"، و للشيخ "العربي التبسي" ولا "للطيب العقبي" ولا "للفضيل الورتيلاني" ولا "لأحمد سحنون"، ولا لغيرهم من أئمة وعلماء الجزائر، بل هي لذلك الصيدلي الذي اكتشف "أوعمران" أنه لم يكن متجنسا كما كان يقال عنه، ففرحات ومنذ ذالك الوقت يؤكد أن أي مشروع سياسي يأتي ليعاكس ما تنص عليه تعاليم الإسلام تكون نهايته الفشل المحتوم"، وبناءا على هذه المواقف المبدئية التي كان يتبناها الرجل تجاه الإسلام التي ارتبطت بالشخصية الجزائرية، وكانت محل نقاش وطني واسع، وهي تحسم بشكل واضح موقف زعيم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، كما يعكس هذا الموقف حواراته مع العلماء التي كانت محل إعجابه وإشادته، حيث عبر فرحات عباس في كتابه "الاستقلال المصادر" عن ذلك الإعجاب تجاه وصية الشيخ "العربي التبسي" الذي زاره قبل توجهه إلى القاهرة في مارس 1956 ، بطلب من جبهة التحرير الوطني، مشددا على الوصية التي تركها له الشيخ وهو يخاطبه: "لا أدري إن كنا سنلتقي مرة أخرى، ولهذا أوصيك بأن لا تنسى أن الجزائر مسلمة، فباسم الإسلام يحارب الجزائريون اليوم، ومن اجله يقبلون على الموت، فلا تعد إلى هذه البلاد إلا إذا تحررت ، وعندما يوفق الله ويأتي وقت إعادة بناء البلاد، ضعوا الإسلام في مركز البناء وسيعينكم الله"، كما أكد من جهة أخرى ان كل الحركات السياسية التي ستنشأ في الجزائر بعد استرجاع الشعب لحرياته ستفشل لا محالة إذا حاولت نكران إسلامية الشعب الجزائري "فالشعب الجزائري يسبح في الإسلام كما يسبح السمك في الماء" كما كان يقول.
المبحث السادس: الموقف من القضية الفلسطينية
كانت القضية الفلسطينية واحدة من أهم القضايا العربية التي أخذت بعدا وطنيا في برنامج النضال السياسي، وكانت محل عمل مشترك بين أطياف الحركة الوطنية المتمثلة في "الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، جمعية العلماء، حركة إنتصار الحريات " الديمقراطية"،
وقد لعب فرحات عباس دورا متميزا باعتباره زعيم U.D.M .A في دعم القضية الفلسطينية على المستوى السياسي والإنساني ويعكس هذا الموقف عضويته في اللجنة الجزائرية التي أنشأت في جوان 1948 من أجل إغاثة وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني على إثر اغتصاب الكيان الصهيوني لأرض فلسطين، وقد كان دور فرحات عباس في هذه اللجنة فعالا حيث كان مقترحه للشيخ البشير الإبراهيمي رئيسا لهذه اللجنة وهو المقترح الذي تحقق بعد ذلك وعلى إثره انسحبت حركة انتصار الحريات الديمقراطية من المبادرة بعد رفض فرحات عباس أن يكون مصالي الحاج رئيسا لها. الموقف الثابت من قضية فلسطين يعكس عمق الدعم الذي كانت تقوم به حركة الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في إطار تعاوني مع العلماء كما يوضح جانبا هاما من التحالفات التي كان يعقدها عباس في مثل هذه القضايا.
الفصل الثالث: موقف الحزب من حرب التحرير 1954 – 1962
المبحث الأول: موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من الثورة في عامها الأول
إن موقف "فرحات عباس" من الثورة الجزائرية في عامها الأول، لم يكن مختلفا عن موقف قيادة كل من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والحزب الشيوعي الجزائري، وذلك لأن فرحات عباس كان لا يؤمن بالعنف الثوري.
كما كان يرفض أن يجد المشكل الجزائري حّله في الانفصال عن البلد الأم "فرنسا" لأجل ذلك كان تعليقه الأول على عمليات الفاتح من نوفمبر: بأنها اليأس والفوضى والمغامرة.
وبعد اجتماع اللجنة المركزية بحوالي عشرة أيام، صدر العدد السادس والأربعون لجريدة الجمهورية لسان حال الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، وفيه مقال لفرحات عباس، خصصه لأحداث الفاتح من نوفمبر وكانت خلاصته كالتالي:
1. إن موت المعلم ( ويقصد السيد موزو) الذي أعدمه الثوار في طريق أريس، قد أثر فينا كثيرًا وبكيفية خاصة، إنها خسارة أصابتنا في الصميم، بل إن الشعب الجزائري كله قد أصيب في أعماقه.
2. يجب أن يقتنع الفرنسيون و المسلمون الجزائريون، بأن تشتتهم أمر قاتل بالنسبة للبلاد بأكملها.
3. إن موقفنا معروف ولا يقبل أي غموض، ونحن ما نزال مقتنعين بأن العنف لا يساوي شيئا.
- مشروع فرحات عباس لحل الأزمة الجزائرية بعد أحداث نوفمبر 1954
اعتبر فرحات عباس تداعيات أحداث الفاتح من نوفمبر، مشكلا سياسيًا من الدرجة الأولى. عكس النواب الأوروبيين الذين يرون أن المشكل لا يعدو أن يكون بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يتطلب رصد بعض الأموال من أجل خلق فرص عمل للجزائريين.
إن الطريق الذي رسمه فرحات عباس للحل في الجزائر، يمر حسبه على إتحاد شعب مع آخر، وتتشكل مجموعة إنسانية كبيرة حول فرنسا في إطار احترام هوية كل بلد وشخصية كل شعب، أما ما تعّلق بالوجود الفرنسي في الجزائر، فقد قال فرحات عباس أنه ليس مهددًا، لأن فرنسا الجمهورية الديمقراطية تبقى في الجزائر وسط سكانها، واستشهد بمشروع إنشاء جمهورية جزائرية، المقترح من طرف حزبه "الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري" على البرلمان الفرنسي سنة 1946 ، والذي تضمن ازدواج الجنسية بالنسبة للجزائريين والفرنسيين.المقيمين في البلدين (الجزائر وفرنسا)، ولم يختلف مناضلو الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الآخرين عن طرح فرحات عباس في تصورهم الخاص بالأزمة الجزائرية، في ظل أحداث ثورة أول نوفمبر 1954.
المبحث الثاني: تطور موقف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري من الثورة في عامها الثاني
لقد عرفت تلك الفترة بداية اتصالات فرحات عباس بقادة جبهة التحرير الوطني، بعد أن أفضت سلسلة لقاءاته مع الحاكم العام جاك سوستيل إلى الفشل، وفي نفس الوقت توجه فرحات عباس إلى جيجل، فنظم تجمعًا شعبيًا ألقى فيه خطابًا شديد اللهجة، عارض خلاله صراحة فكرة الجزائر الفرنسية.
وهكذا نجد أن فرحات عباس تخلى نهائيًا عن سياسة الاندماج التي كافح من اجلها كثيرًا، وفشلت، ولعل المفارقة الإيجابية أنها أظهرت للرأي العام الجزائري، أن الاستعمار لم يكن يرضى حتى بالمطالب التي تنبع من سياسته الرسمية الخاصة بالإدماج والتي صرحت بها مرارًا الحكومة الفرنسية. وقد سهلّ تطور موقف فرحات عباس، نحو مواقف أكثر قربًا من الثورة.
ومن هذا المنطلق تحول فرحات عباس وأنصاره إلى العمل السري لصالح الثورة، فوزعوا المناشير في الأوساط المدنية لشرح الثورة وأهدافها، وفي الوقت نفسه كانوا يجمعون الأموال لتموين الثورة وشراء الأسلحة.
المبحث الثالث: إلتحاق فرحات عباس بالثورة الجزائرية:
أدركت القوى السياسية في الجزائر أن الثورة هي ما تبقى، وبالتالي يجب الالتحاق بجبهة التحرير الوطني، وفي شهر جوان 1955 ، عندما كان فرحات عباس يجري لقاءات سرية مع عبان رمضان، كان المركزيون قد التحقوا بالثورة، ثم جاء دور العلماء في 1956 ، ففي جانفي من نفس السنة دعا الشيخ العربي التبسي الجزائريين للالتحاق بالثورة الجزائرية، فما كان من فرنسا إلا أن اختطفته بواسطة كوموندو فرنسي.
نفس الوقت صرح عباس لجريدة التونسية "L'Action " قائلا:" لا أملك أية صفة وفي للتشاور مع فرنسا، فالرجال الذين يقودون الحركة، هم الذين يملكون شرعية التشاور، وأعتقد أن فكرة الجمهورية الجزائرية التي اقترحتها لا تزال قائمة، ولكنني لن أدافع عنها ولا عن أي حل آخر ولن التزم بأي عمل".
وعلى إثر اجتماع الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بسويسرا يوم 30 جانفي 1956، توصل أحمد بومنجل وأحمد فرانسيس إلى إقناع فرحات عباس بضرورة الإعلان الرسمي عن التحاق حركتهم بالثورة.
وكان ذلك عند وصول فرحات عباس إلى القاهرة يوم 25 أفريل 1956 ، سارع إلى عقد ندوة صحفية بمقر جمعية العلماء المسلمين بشارع شريف باشا، ليعلن رسميا انضمامه لجبهة التحرير الوطني.
المبحث الرابع: موقف فرحات عباس من مؤتمر الصومام 20 أوت 1956
تعود فكرة عقد مؤتمر الصومام لسنة 1954 ، عندما اتفق القادة التاريخيون على اللقاء ثلاثة أشهر بعد اندلاع الثورة، غير أن قساوة الحرب وضراوتها حالت دون ذلك، ولما غادر بوضياف المكلف بالتنسيق بين مناطق الجزائر إلى أوروبا تعقدت الأمور وانقطعت الاتصالات بين القادة كلية،
وانعقد المؤتمر يوم 20 أوت بإيفري "الصومام القبائل الصغرى" بحضور زيغود يوسف، بن طوبال، بن عودة، علي كافي، رويبح حسين، مزهودي إبراهيم عن المنطقة الثانية "الشمال القسنطيني" وبلقاسم كريم، محمدي السعيد، عميروش وقاسي عن المنطقة الثالثة (القبائل) ومّثل المنطقة الرابعة أوعمران، صادق دهيليس وسي أمحمد بوقرة، أما المنطقة الخامسة فمثلها العربي بن مهيدي.
وقد اتفق العسكريون على مقررات المؤتمر ، ونصت وثيقة الصومام أساسا على مبدأين، ينصان على:
- أولوية الداخل عن الخارج
- أولوية السياسي عن العسكري
وهكذا أصبحت شخصيات سياسية إصلاحية تنتمي إلى الأحزاب القديمة وعلى رأسها حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري برئاسة فرحات عباس، في مؤسسات الثورة التي استحدثها المؤتمر، ففي المجلس الوطني للثورة الجزائرية (الهيئة التشريعية)، أصبح يوجد كل من فرحات عباس وأحمد فرانسيس كممثلين للنخبة البرجوازية، وكل من أحمد توفيق المدني (جمعية العلماء المسلمين) وبن خدة (المركزيين).
وبالمؤازرة مع تغيير القناعات ظهرت محاولات متعددة لتطوير مشروع المجتمع وتغيير أسلوب النضال، وتواصلت إلى أن وجد فرحات عباس نفسه مندمجا في جبهة التحرير الوطني سنة 1956.
الخاتمة:
وفي الأخير ومن خلال ما سبق ذكره نستنتج أن حزب الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري المتمثل في زعيمه فرحات عباس قد ساهم في النضال السياسي رفقة الأحزاب الوطنية وكانت بمثابة انطلاقة نحو العمل المسلح من أجل جزائر مستقل ذات سيادة يحكمها الجزائريون وفق الهوية الإسلامية العربية محافظة على الثوابت المغاربية الأمازيغية
ماهي المراجع المعتمدة
ردحذفماهي المراجع المعتمدة
ردحذفماهي المراجع
ردحذفالمراجع المعتمدة
ردحذفماهي المراجع
ردحذف