-->

بحث حول تاريخ العرب قبل الاسلام

    المقدمة:

    سوف نتحدث اليوم عن تاريخ العرب قبل الإسلام ، والواقع أن الجزيرة العربية بخاصة وبلاد العرب في منطقة غرب آسيا عامة تتميز بمواقع أثرية فريدة بوقوعها على أهم الطرق الرئيسية في العالم بين الشرق و الغرب، وقد شكلت معبرا بين القارات الثلاثة منذ الأزمنة القديمة ويعد الحجاز قلب الجزيرة العربية، الموطن الأول لآدم، ونشأت في بلاد العرب في العصور التاريخية وفي أوقات مختلفة دول زخرت بالمنجزات الحضارية المتقدمة التي أثرت في تطور البشرية عبر العصور، ويصنف العرب إلى طبقتين بائدة وباقية ونقصد بالطبقة البائدة تلك الأمم التي كانت تعيش في الجزيرة العربية وزالت قبل ظهور الإسلام مثل قوم عاد وثمود، أما العرب الباقية هي تلك التي عاشت وأدركها الإسلام، ونتناول في هاذ البحث أصل العرب والقبائل التي شكلت الجزيرة العربية واهم ما ميزها قبل ظهور رسالة الإسلام .

    المقدمة
    الفصل الأول: نبذة عن جزيرة العرب من حيث طبيعتها وسكانها
    المبحث الأول: جزيرة العرب
    المبحث الثاني: تحديد لفظة العرب
    المبحث الثالث: العرب العاربة والعرب المستعربة
    الفصل الثاني: الأوضاع العامة للعرب قبل الإسلام
    المبحث الأول: الأوضاع السياسية
    المبحث الثاني: الأوضاع الاقتصادية
    المبحث الثالث: الأوضاع الدينية والثقافية
    الفصل الثالث: قبائل العرب قبل الإسلام
    المبحث الأول: قبائل الجنوب
    المبحث الثاني: قبائل الشمال
    الخاتمة






                                                          

    الفصل الأول: نبذة عن جزيرة العرب من حيث طبيعتها وسكانها

    المبحث الأول: جزيرة العرب

    ليس بين أشباه الجزر شبه جزيرة تشبه شبه جزيرة العرب في المساحة، فهي أكبر شبه جزيرة في العالم. ويطلق العلماء العرب عليها ً اسم "جزيرة العرب". تحيط بها. المياه من أطرافها الثلاثة، ومع ذلك لم. يستطع الجو البحري إن يخفف من حدة الحرارة فيها، ويتغلب على جفافها، والأبخرة المتصاعدة من البحر لا تتمكن إن تصل إلى أواسط بلاد العرب، لإنزال رحمتها عليها. فإنّ الرياح السمائم، وهي ذات الحرّ الشديد النافذ في المسام، تتلقى الرطوبة التي تنبعث من البحر بوجه عبوس، ومقاومة تسلبها قوتها، وتنتزع الرطوبة منها، وتمنعها في الغالب من الوصول إلى أواسط الجزيرة. يحدّ جزيرة العرب من الشرق الخليج العربي المعروف عند اليونان باسم "الخليج الفارسي، ويحدها من الجنوب المحيط الهندي، أما حدّها الغربي، فهو البحر الأحمر كما يسمى في الخارطة الحديثة المعروف باسم "الخليج العربي، ويحصن مناطق واسعة من ساحل جزيرة العرب على البحر الأحمر صخور مرجانية تفتك بالسفن.
    وتتكون أغلب الأرضي في جزيرة العرب من بواد (جمع بادية وهي الصحراء) وسهول، تغلبت عليها الطبيعة الصحراوية، لكن قسماً كبيرا منها يمكن إصلاحه إذا ما تعهدته يد الإنسان، واستخدمت في إصلاحه الوسائل العلمية الحديثة. و أما الأراضي الصالحة للزراعة، فإنها تزرع فعلاّ لوجود المياه فيها. أما الأراضي التي تعدّ اليوم من المجموعة الصحراوية، فهي الأراضي البركانية، الدهناء (وهي مساحات من الأرض تعلوها رمال حمر في الغالب)، النفوذ ( هي صحراء واسعة ذات رمال بيض أو حمر تذروها الرياح)،

    المبحث الثاني: تحديد لفظة العرب

    1)    المعنى الاصطلاحي لكلمة العرب: المقصود بكلمة العرب سكان المنطقة الواسعة الذين أعطوها اسمهم فصارت تعرف ببلاد العرب ومن التعارف والتفسيرات اللغوية نجد:
    §        حسب الكتاب العرب فان العربية منسوبة إلى يعرب بن قحطان، مشتقة من اسمه، فهو أول من أرب في لسانه، وتعلمها إخوته وبني عمومته ، وقد كانوا قد تركوا بابل ليقيموا بجواره باليمن، ويعتبر إسماعيل بن إبراهيم هو جد العرب المستعربة.
    §        إن كلمة العرب مشتقة من الفعل يعرب أي يفصح في الحديث، وأصبحت تدل على العرب كجنس لفصاحتهم في اللسان.
    §        سمي العرب عربا نسبة إلى بلدهم العربات، وعربة مكة، وباحة العرب وقال الكتاب " وأقامت قريش بعربة فتنحت بها، وانتشر سائر العرب في جزيرتها ، فنسبوا كلهم إلى عربة ".
    §        إن كلمة عرب مشتقة من أصل سامي قديم بمعنى الغرب فقد أطلق سكان بلاد مابين النهرين اسم عربي على الأقوام الذين كانوا يقيمون في البادية الواقعة إلى الغرب من بلادهم، وهي بادية العراق والمسماة بهذا الاسم.
    2)    طبقات العرب: صنف معظم علماء الأنساب الشعوب العربية إلى طبقتين
    الطبقة البائدة: وقد تأثرت هذه الطبقة بفعل تغير المعالم الطبيعية الناتجة هن زحف الرمال وكذلك ثورات البراكين وما ترتب عنها من تدمير المدن ويطلق على هذه الطبقة اسم العاربة إما بمعنى الراسخة في العروبة أو المبتدعة لها بما كانت أول أجيالها، وتسمى البائدة بمعنى الهالكة لأنه لم يبقى على سطح الأرض احد من نسلها ومن قبائلها : عاد ثمود عمليق (العمالقة) طسم.
    الطبقة الباقية: وهي العرب الذين يسمون أيضا بالمتعربة والمستعربة فهم بنو يعرب بن قحطان وبنو معدن بن عدنان بن أد، الذين اخذوا اللغة العربية عن العرب البائدة، وقد تعرب قحطان وجماعته عندما نزلوا اليمن وهناك رواية مفادها أن يعرب كان يتكلم السريانية، فنعدل لسانه إلى العربية فتعرب ، أنهم العرب الباقون وهم الذين كتب لهم البقاء’ وينتمي إليهم كل العرب الصحراء عند ظهور الإسلام ويرجعون نسبهم إلى سام بن نوح.

    المبحث الثالث: العرب العاربة والعرب المستعربة

    1.     العرب العاربة:
    هي الطبقة الثانية من طبقات العرب بعد البائدة، فهي "العرب العاربة" على أقوال النسابين، وهم من أبناء قحطان وأسلاف القحطانيين المنافسين للعرب العدنانيين، الذين هم العرب المستعربة في عرف النسابين.
    وقحطان الذي يرد في الكتب العربية، هو "يقطان" التي يرد اسمه في سفر التكوين، وهو "قحطان بن عابر بن شالخ بن سام بن نوح" في رأي أكثر النسابين. و هو "يقطان بن عابر بن شالخ بن أرفكشاد بن سام ابن نوح( في التوراة).
    2.    العرب المستعربة:
    والطبقة الثالثة من طبقات العرب - على رأي أهل الأخبار - هم "العرب المستعربة" "المتعربة"، ويقال لهم العدنانيون أو النزاريون أو المعديون. وهم من صلب "إسماعيل بن إبراهيم وامرأته "رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي" . قيل لهم "العرب المستعربة"، لأنهم انضموا إلى العرب العاربة، وأخذوا العربية منهم. و منهم تعلم "إسماعيل" الجد الأكبر للعرب المستعربة العربية، فصار نسلهم من ثَم من العرب واندمجوا فيهم. وموطنهم الأول مكة على ما يستنبط من كلام الإخباريين، فيها تعلم "إسماعيل" العربية، وفيها ولد أولاده، فهي إذن المهد الأول للإسماعيليين.

    الفصل الثاني: الأوضاع العامة للعرب قبل الإسلام

    المبحث الأول: الأوضاع الاقتصادية
    تأثر الوضع الاقتصادي بطبيعة الجزيرة العربية وقد تكيف اقتصاد العرب الجاهليين في تحديد موارد وتوجه العرب الاقتصادي فاعتمد سكان المناطق الصحراوية بشكل رئيسي على الرعي التنقل للأنعام ومواشيهم وعلى التجارة في حين اعتمد سكان المناطق الخصبة على الزراعة وكان عندهم إلمام بالصناعة.
    وقد تنوعت موارد جزية العرب الاقتصادية لعدة أسباب وهي
    -         تنوع طبيعة الأرض والمناخ الذي ساد المنطقة
    -         الموقع الجغرافي للجزيرة العربية برا وبحرا بين مناطق الشرقيين الأدنى والأقصى من جهة ومن جهة أخرى بين المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط جعلت منها معبرا للقوافل التجارية بين المنطقتين وانقسم سكان الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام هي
    -         فئة غير مستقرة تطلب العيش بالترحال والرعي
    -         فئة مستقرة تعمل في الزراعة
    -         فئة بين الاستقرار والترحل
    ومن حيث الصناعة فقد شكلت موردا لسكان المنطقة وشهدت تطورا وإدخال بعض التقنيات لزيادة الإنتاج وتحدثت بعض المصادر العربية في الصناعات بوصفها سلعا موضوعة قيد التبادل التجاري مثل صناعة الأسلحة والصياغة والنجارة ويرجع تطورها إلى ارتباطها بالزراعة التي تعتبر مصدر الخامات ألازمة لقطاع الصناعة.
    المبحث الثاني: الأوضاع السياسية
    كانت ثلاث إمبراطوريات تتقاسم الشرق الكلاسيكي آنذاك: البيزنطية في الغرب, والفارسية بالشرق, والحبشية في الجنوب, وكانت البلاد العربية محاطة بهذه الدول الكبرى..... وكانت بيزنطة والحبشة تشتركان في الديانة المسيحية نفسها, وأن اختلفت المعتقدات في وقت لاحق وكانت حدود واهية تفصل بين هاتين الإمبراطوريتين (الفارسية والبيزنطية) وكثيراً ما تثور بينهما نزاعات وحروب في سبيل السيطرة على خطوط المواصلات الكبيرة. وهذا ما خلق حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وقبيل ظهور الإسلام كانت الحروب الدائرة بين كسرى الثاني الفارسي وهرقل البيزنطي قد أنهكت قوة هذين العملاقين واستنزفت خاصة طاقات الفرس الذين تراجعوا أمام الضغط البيزنطي المتزايد عليهم.
    كانت الجزيرة العربية بمعزل عن تلك الصراعات والأحداث, إذ لم تفلح أحدى هذه القوى الكبرى في بسط سيطرتها التامة عليها,وكانت الجزيرة العربية منطوية على ذاتها ومنشغلة بنزاعاتها القبلية الخاصة, غير مكترثة بما يجري وراء حدودها الواسعة.

    المبحث الثالث: الأوضاع الدينية والثقافية

    1)    الأوضاع الدينية:
    كانت تهيمن على هذه الشعوب المستوطنة والمتنقلة أشكال متنوعة من الوثنية الشرقية القديمة المرتكزة على عبادة الشمس والقمر والكواكب وإذا أخذت أشكال الوثنية تتلاشى شيئا فشيء من أذهان العرب في مطلع القرن السابع, فقد بقي الحجر الأسود كعلامة للحفاظ على الوحدة بين القبائل المختلفة, أما الكعبة التي كانت تنعش الحركة الاقتصادية في مكة,  أصبحت شيئا فشيئا مركزا دينيا ًكبيرا ًللبلاد العربية,  وكانت الكعبة موجودة منذ القرن الثاني قبل الميلاد, وفي وقت لاحق وضع فيها الحجر الأسود الذي أضحى موضع إكرام والعبادة, وكل قبيلة وضعت فيها معبودها.
    ونلاحظ أن تعدد الآلهة عند العرب كان قد تطور في القرن السابع الميلادي وتحت تأثير اليهودية والمسيحية, إلى نوع من التوحيد وإلى فكرة إله فوق سائر الآلهة. ومثلوا هذا الإله المتسامي بالإله هبل الذي وحده من بين جميع الإلهة لم يلق معارضة .
    منذ بدء العهد المسيحي حاول اليهود الذين دخلوا البلاد العربية أن يقضوا على الوثنية السائدة بين العرب فتشكلت جاليات نشطة في خيبر وتيماء واليمن ونجران واجتذب إليها الكثير من العرب. وجاءت المسيحية ودعمت كل تلك الجهود.
    ·        اليمن ونجران:
    يظهر أن المسيحية دخلت اليمن في نحو القرن الثالث وقد يكون دخولها انطلاقا من الحبشة ولو أن هناك تقاليد تنسب تبشير المناطق الساحلية الجنوبية إلى الرسل متى وتوما وبرتلماوس. ونولدكه الألماني – يقول أن أصول المسيحية في اليمن ونجران تعود إلى سوريا وما بين النهرين, وان اللغة السريانية كانت لغة الطقوس فيها.
    أما نجران فكانت تحكمها طبقة برجوازية مسيحية تأدية للملك الحميري, وذلك منذ القرن الخامس. وكانت هذه المسيحية قادمة من بلاد فارس المذهب النسطوري إلا أن الاضطهاد الذي شن على المنوفيزيين في عهد الإمبراطور ينيوستين الأول ( 518- 527 )  ويوستنيان الأول ( 527) أدى إلى تدفق هؤلاء نحو منطقة نجران حتى أضحت المنوفيزية فيها المذهب السائد, فتكونت فيها أبرشية سريانية تابعة لبطريركية الإسكندرية.
    وكان نؤاس( مسروق) في صنعاء قد أنضم إلى الديانة اليهودية وأضحى من المتعصبين لها, وقد أتخذ مقتل يهوديين على أيدي النجرانيين ذريعة للإيقاع بأهل نجران المسيحيين بالإضافة لحقده الشديد عليهم لكونهم موالين للأحباش أعدائه. فقتل عددا ًغفيرا ًمن مسيحي نجران سنة 523 بلغ الآلاف.  ويشير القران لهذه المجزرة التي يسمي ضحياها بأهل الأخدود وقد أدت هذه المجزرة إلى تدخل الأحباش في اليمن سنة 525 عبر البحر الأحمر والاستيلاء عليها أما ذو نؤاسف في غمرة يأسه خاض بحصانه في البحر وغرق.....وهكذا انتهت المملكة الحميرية.
    الأوضاع الثقافية:
    ·   علوم العرب ومعارفهم: كان للعرب قبلا لإسلام بعض العلوم والمعارف، منها أنهم كانوا يعرفون الأنساب ويعتنون بحفظها.  وكانوا يعرفون عن الفلك بسبب أسفارهم في الصحراء. وكانوا يقتفون الأثر بدقة فائقة. وكانت لهم معرفة ببعض أمراض الإبل وأدويتها، وهم الذين اكتشفوا القار،وأنه يمن عانت قال عدوى جَرَب الإبل ويداويه. وكانوا يعتنون بتربية الخيل وبنسلها ويقدرونها حق التقدير، ونرى ذلك في كثير من أشعارهم في الجاهلية والإسلام. كذلك كانوا يجيدون أنواع الفروسية المختلفة وصنع الأسلحة. وكان أدبهم الجاهلي من أرقى الآداب الباقية حتى الآن سواء في مضمونه أو شكله. وبلغ العرب مستوى عاليًا في الشعر والخطابة والأمثال. كما كان لهم رواة يحفظون سِيَر الأحداث والحروب التي كانت تندلع بين القبائل والعشائر، أو بين العرب والفرس. وعن طريق هؤلاء الرواة الذين كانوا يتعاقبون جيلاً بعد جيل مكن حفظ الكثير من أخبار العرب وآدابهم في العصر الجاهلي، وأصبح جزءًا مهمًا من المعارف الأدبية التي سُجِّلت في عصر التدوين

    الفصل الثالث: قبائل العرب قبل الإسلام

    المبحث الأول: قبائل الجنوب

    1.    دولة معين: ( 1300 – 650 ق م)
    كانت معين اقرب الدول الجنوبية إتصالا بالمناطق الشمالية في شبه الجزيرة العربية، ونشأت في الجوف الجنوبي فيما يمتد بين حدود حضرموت وبين المنطقة الحدودية الفاصلة بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية اليمن الشمالية سابقا، عند نجران وتمتعت معين بسهل متسع يغذيه بالخصوبة ومياه الري نهر خارد وفروعه.
    اختلفت تقديرات المستشرقين في البداية السياسية لدولة معين في ما بين القرن الثالث عشر ق م، والقرن الحادي عشر ق م، وبداية القرن السادس ق م، وبداية القرن الرابع ق م، ويبدو أن أكثر هذه التقديرات احتمالا هو بداية القرن السادس ق م.
    واتخذت الدولة عاصمتها في مدينة " قرناو " في شرق الجوف الجنوبي وبنيت مستطيلة في مساحة صغيرة نسبيا تبلغ نحو مئة ألف متر مربع محاطة بسور ضخم ذي مدخلين تحميها الأبراج الحجرية وتم إنشاء معبد إلى جانب المدينة يدعى " رصف ".
    تعاقبت على حكم معين خمس أسرات حاكمة لم تحتفظ النصوص بألقابهم لكن يرجح أن سلطتهم تشابهت مع جيرانها أي الحاكم يلقب بـ " مزود " بمعنى مزود المعبودات أو المعابد بالقرابين.
    عملت معين على إنشاء بعض المشروعات الري الصغيرة للاستفادة من السيول والأمطار ومياه نهر خارد وفروعه، كما احتوت أراضيهم الأشجار النخيل والأعناب، كما اعتمدت في اقتصادها على التجارة الخارجية مع دول المتوسط ومعابد الهلال الخصيب.
    ازدهار الحياة في معين جلب لها أطماع مملكة سبأ مما أدى لوقوع حروب كثيرة بينهما أدى إلى تدمير بعض مدن معين وتشريد أهلها وقد غلب النظام الملكي على المدينة كما كان النظام ظل لمشايخ القبائل واعيان العاصمة.
    استطاعت سبأ أن تسيطر على معين وتدمر عاصمتها قرناو قبيل الربع الثالث من القرن الأول ق م ورغم الانكماش السياسي واصلت في اعتمادها على التجارة تحت سلطة مملكة سبأ.
    2.    دولة قتبان: (1000 – 25 ق م )
    قامت مملكة قتبان في الأقسام الجنوبية الغربية من الجزيرة العربية، في النواحي الغربية من اليمن، إلى الجنوب من بلاد السبئيين، وعلى تخوم حضرموت، وامتدت أراضيها حتى بلغت باب المندب، وحجبتها عن البحر اوبان الصغيرة، عاصمتها مدينة تمنع، تمنا وهي كحلان الحالية في وادي بيحان، التي اشتهرت قديما بخصوبتها وكثرة مياهها وبساتينها، ولا تزال آثار الري القديمة ظاهرة فيها إلى اليوم، ويعتقد الباحثون أن قتبان بطن من رعين حمير ويعود هذا التفسير إلى كون حمير كانت القبيلة الرئيسية في اليمن عند ظهور الإسلام بحيث تلاشت حضارات الممالك الصغرى التي ظهرت في اليمن في العصر الجاهلي ويرجح اندماجها في دولة سبأ وذي ريدان.
    ويعود التاريخ القتباني إلى القرنين الحادي عشر والعاشر قبل الميلاد ويبدأ بعده عصر المكربين الذي حكموا قتبان قرونا عدة من خلال حكم الأسر ومن أشهر ملوكها: يدع أب ذبيان الذي وسع المملكة إلى غاية حدود سبأ ووضع تشريعات وقوانين سير بها قتبان وقد أحرقت قتبان قبل الميلاد بقليل من طرف شعب غير معروف.
    3)    دولة سبأ: (800 – 30 ق م )
    تنس سبأ إلى مؤسسها شمس بن يشجب الذي يرتقي بنفسه إلى قحطان، أحد أجداد العرب، ولقب بسبأ نظرا لكثرة حروبه وغزواته، وغلب الإسم على المدينة.
    بدأت المرحلة المبكرة من تاريخ سبأ في الجوف في الشمال، ويطلق على هذا الإقليم في النقوش الأشورية " بلاد عربي " وكان وطنا لكثير من المملكات في العهد الأشوري.
    وورد لفظ سبأ في نقش معيني يشير إلى أن قبيلة بدوية كانت تسيطر على الطريق التجاري الممتد بين بلاد العرب الجنوبية ومعان الواقعة في شمالها، وتهاجم القوافل المعينية القادمة من مصر، وجاء ذكر السبئيين في النقوش الأشورية التي ترجع إلى أيام الملوك تغلث فلاسر الثالث وسنحاريب ( 704 – 688 ق م ) وأسر حدون ( 681 – 669 ق م ) بما يشير إلى أن هؤلاء فرضوا الجزية على ملكي سبأ يعثم وكرب إيلو.
    حظيت سبأ باهتمام الكتاب الإغريق والرومان بوصفها إحدى الدول جنوبي الجزيرة المصدرة للطيب والعطور، وأنها تنتج اللبان والمر والقرفة، وتنمو شجرة البلسم على شواطئها.
    والراجح أن السبئيين كانوا شعبا بدويا يتنقل بين شمالي الجزيرة وجنوبها قبل أن يستقروا في بلاد اليمن حوالي عام (800 ق م) نتيجة ضغط الأشوريين عليهم من الشمال واستغلوا ضعف المعينين وتوسعوا على حسابهم.
    ولما قوي أمرهم، قضوا على الدولة المعينية، وأقاموا دولة لهم على انقضها، وورثوا لغتها وديانتها، وتقاليد شعبها ونقلوا عنهم تجارتهم حتى أصبحوا أعظم وسطاء التجارة العالمية في القرن الأول ق م.
    تدرج بنو سبأ في الحكم من الإمارة والكهنة إلى الملك الواسع الذي يسعى للتجارة وجمع الثروة، وبسط الهيمنة السياسية فأنشئوا في بداية حياتهم السياسية إمارة صغيرة ما لبث أن أصبحت مملكة تتمتع بنفوذ قوي على ما جاورها من ممالك ولا يعود ذلك إلى قوتها العسكرية بقدر ما كان لها من سيطرة تجارية وأراضي زراعية حققت لها ازدهارا وثراء. وقد مرت بمرحلتين تاريخيتين.
    الأولى: مرحلة مكربين، وهي مرحلة تلقب فيها حكامها بلقب مكرب سبأ واتخذوا مدينة صرواح الواقعة غرب مأرب عاصمة لهم.( 800 – 650 ق م )
    الثانية: مرحلة الملوك، وهي مرحلة تلقب فيها حكامها بلقب ملك سبأ، واتخذوا مدينة مأرب عاصمة لهم وتمتد بين عامي ( 650 – 30 ق م ).
    وتسجل الأيام الأخيرة من حياة الدولة السبئية قيام نزاع خطير حول العرش السبئي كان له اثر سيء فيما أصاب البلاد من خراب ودمار وتحول كثير من أراضيها الزراعية إلى أراضي جرداء قاحلة، وفي غمرة هذا الصراع حاول الريدانيون، والحميريون استغلاله لصالحهم، وتمكنوا في النهاية من انتزاع العرش السبئي في عام (30) ق م، وأسسوا أسرة جديدة تلقب ملوكها بلقب " ملوك سبأ وذي ريدان".
    4)    المملكة الحميرية: (300-525 م)
    ·        أصل الحميريين:
    ينتسب الحميريين إلى حمير بن عبد شمس، سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، هذا الأخير يعتقد انه كان ملكا بعد موت أبيه سبأ بن يشجب وهو أول من وضع تاجا من الذهب فوق رأسه وحكم اليمن لخمسين عاما وخلف ستة أولاد تفرعت منهم قبائل حمير.
    كان الحميريين من القبائل العربية المعروفة في العربية الجنوبية يدفعون الجزية للقبانيين لكن لم يبرز اسمهم إلا بعد تحالفهم مع القبائل ذياب فأصبحوا لهم نفوذ فسيطروا في النصف الأول من القرن الميلادي على القسم الجنوبي الغربي من العربية الجنوبية، ولاسيما مدينة ظفار وحصنها الشهير المعروف يريدان أو ذي ريدان الذي يرمز الى ملك حمير.
    تطلع الحميريون بعد أن أضحوا ذي بأس، إلى التوسع على حساب جيرانهم فهاجموا حضرموت، وضايقوا تجارتها وكانوا قبائل يسكنون في المنطقة الواقعة حول لحج بين سبأ والبصر بناحية ظفار ورداع.
    ·        قيام الدولة الحميرية:
    أسس الملك يهرعش بن ناشر النعم (270- 310 م) الدولة الحميرية، وقد سار على خطى والده في التوسع والفتوح وضم مناطق إلى حكمه منها حضرموت.
    وسمح نفوذها السياسي في ازدهار التجارة عبر القوافل التي جابت الصحراء شمالا حتى أعالي الرافدين وشرقا حتى حدود الصين، وغربا إلى مصر إلى جانب سن تشريعات نظمت عمليات بيع المواشي والرقيق، المدة اللازمة التي يجوز فيها إرجاع البيع نهائيا وهي مدة شهر وان مدة الضمان على الحيوان المباع سبعة أيام، فإذا هلك بعدها وجب على المشتري دفع ثمنه كاملا.

    المبحث الثاني: قبائل الشمال
    1.    مملكة تدمر:
    نشأت تدمر في طرف بادية الشام حول نبع ماء بالقرب من حمص مكان وسط يكاد يمثل همزة وصل بين أراضي الفرات الشمالية الغربية الخصبة وأراضي الشام الشمالية الشرقية، وهذا ما جعل منها مركزا تجاريا متميزا وملتقى للقوافل التجارية التي تصل بين العراق والشام.
    ويعتبر تاريخ تدمر موغل في القدم، إذ ورد ذكرها في نقوش اكتشفت بالقرب من الفرات تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ويذكرها المؤرخ السرياني ملالاس بأنها مدينة شهيرة تتميز بموقعها، ولها ينابيع وعيون وتحيط الرمال بحدائقها، وقد عزلتها الطبيعة عن العالم ببادية واسعة الأطراف بعيدة المسافات، وتقع بين إمبراطوريتين عظيمتين، روما وفارس، استرعت أنظار الأولين.
    وتعرف تدمر عند الرومان واليونان بلفظة PALYRA وهي من لفظة PALMA من اللغة اللاتينية وتعني النخل أو النخلة أي مدينة النخل، وذلك لما يكتنفها من غابات النخل العظيمة، وينسب العرب الإخباريون بناء تدمر إلىى تدمر بنت حسان بن أذنية بن السميدع التي يرتفع نسبها إلى سام بن نوح.
    بدأت تدم تظهر كمحطة تجارية هامة على طريق القوافل بين العراق والشام بعد قيام الدولة الاخمينية الفارسية في القرن السابع ق م، فقد وحدت هذه الدولة منطقة غربي آسيا ما كان سببا في تنشيط حركة القوافل التجارية على الطرق التي تصل بين العراق والهند وآسيا الصغرى وبلاد الشام، وقد أحست روما بالخطر الفارسي في الشرق، فأصدر الإمبراطور طيباريوس (14 – 37 م) قرار يتعلق بالجمارك الخاصة بمدينة تدمر وهذا لمنع الفرس من قطع الطريق على التجارة التي تصل الإمبراطورية الرومانية بتجارة الشرق الأقصى عبر أسيا الوسطى، فقد كانت تدمر تقع في منطقة قرب الحدود بين وادي الرافدين، الذي يسيطر عليه الفرس شرقا، وبين سوريا التي يسيطر عليها الرومان غربا.
    ونتيجة لهذا الوضع إنتقلت تدمر من النفوذ الروماني غير المباشر إلى تبعية واضحة للرومان ومستعمرة لهم ذات استقلال في تسيير إدارة شؤونها خاضعة خضوعا شكليا لحكم الرومان، وقد تعاظمت قوة تدمر في القرن الثالث الميلادي بعد تنازل الإمبراطور هادريان عن بلاد الرافدين للبارثيين وقد سيطرت تدمر على قسم من الشرق الهيلليني خلال الحرب التدميرية الرومانية .
    2.    مملكة المناذرة:
    المناذرة سلالة عربية حكمت العراق قبل الإسلام. ثمة هجرات تدريجية حدثت بعد خراب سد مأرب في اليمن بعد "السيل العرم"، أي بدءاً من أواخر الألف الأول قبل الميلاد. فكان من هذه الهجرات هجرة تنوخ التي منها بنو لخم (المناذرة) إلى العراق واتخاذهم الحيرة عاصمة لهم ومن مدنهم في العراق النجف وعاقولا وعين التمر والنعمانية وأبلة والأنبار وهيت وعانة وبقة.
    لقد كونَت المناذرة مملكة قوية من أقوى ممالك العراق العربية قبل الإسلام فكانت هذه المملكة هي امتداد للمالك العربية العراقية التي سبقتها مثل مملكة ميسان ومملكة الحضر، وقد امتد نفوذ سلطان مملكة المناذرة من العراق ومشارف الشام شمالا حًتى عمان جنوبا مًتضمنة البحرين وهجر وساحل الخليج العربي، استمرت مملكتهم في الحيرة من(268 م- 633 م.)، احتل الفرس تلك المملكة في مهدها فأصبحت مملكة شبه مستقلة وتابعة للفرس مع ذلك أكملت الحيرة ازدهارها وقوتها. وقد كان لهذه المملكة دور مهم بين الممالك العربية فقد كان لها صلات مع الحضر وتدمر والأنباط والقرشيين فكانت الآلهة في هذه المدن هي نفسها موجودة في الحيرة منها اللات والعزى وهبل، ومما يؤكد ذلك الروايات الكثيرة بصلات جذيمة الأبرش بملكة تدمر زنوبيا مثلا وعلاقتهم وعلاقة ملوك الحيرة بملوك مملكة الحضر وأحيانا ينسب المؤرخون السلالة الحاكمة في مملكة المناذرة وهم بنو لخم إلى ملوك الحضر في العراق، وكذلك نجد في النقوش الأثرية مثل نص أم الجمال الذي كتب بخط نبطي وفيه النص التالي:"جذيمة ملك تنوخ" وهذا يدل على صلاتهم الواسعة بالممالك العربية الأخرى هذا سوى الروايات الكثيرة من المؤرخين، وكان لمملكة المناذرة سوق من أشهر أسواق العرب يقام في الحيرة وفي دومة الجندل يتبادل فيه التجار البضائع ومنها البضائع الفارسية التي يجلبها تجار المناذرة وكذلك يتبادلون الأدب والشعر والخطب، أطلق ملوك المناذرة على أنفسهم لقب "ملوك العرب" ومن المؤكد أن نقش قبر إمرؤ القيس الأول المتوفى سنة  328 م مكتوب عليه "هذا قبر إمرؤ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم". وهذا الحاكم له إنجازات عظيمة من تكوين أسطول بحري في البحرين هاجم مدن فارسية إلى سيطرته على مدن تمتد من العراق حتى نجران.
    3.    مملكة الغساسنة:
    يزعم المؤرخون أن أصل الغساسنة يمني، وأنهم من قبيلة كان رئيسها قديما عمرو مزقياء بن عامن بن ماء السماء، ويذهب جرجي زيدان إلى أن أصلهم عدناني شمالي من بطون كهلان الذين ضاعت أنسابهم، لكن الشائع أنهم قحطانيو الأصل، سمو الغساسنة نسبة إلى غسان، وهي مياه تحمل هذا الإسم.
    نزح الغساسنة إلى الشمال، وقدموا البلقاء في الشام، وكان فيها آنذاك سليح، فدخلوا معها طاعة الروم، إلى أن حدثت بينهم حرب، فتحاربوا مع حليف الروم، وغلبوه، وطلب الروم الصلح، فقبلوا شرط أن يملك عليهم من كان منهم، فأجيب طلبهم، وكان من ملك منهم جفنة بن عمرو بن عامر، وتحالفوا مع الروم.
    أتسمت الأوضاع السياسية والعسكرية في بلاد الشام، في أواخر القرن الخامس الميلادي، بالفوضى وعدم وضوح الرؤية إذ دخلت بادية الشام، بين حوران والفرات من أي وجود عسكري بيزنطي، ووصل بنو غسان في هذه الظروف إلى بلاد الشام عام (490) م قادمين من الجزيرة العربية بقيادة جفنة بن عمرو مزيقياء، وكان يسكن المنطقة قوم يعرفون بالضجاعمة من قبائل بني سلج من قضاعة.
    ويقدر عدد الملوك الغسساسنة الذين تولوا الحكم بحسب قائمة الدينوري أحد عشر ملكا، وفي قائمة الأصفهاني إثنان وثلاثون ملكا أو أمير ونذكر منهم عمرو بن جفنة الذي أقام عددا من الأديرة منها: دير حالي ودير أيوب ودير هند، وخلفه إبنه ثعلبة بن عمرو، وهو الذي بنا صرح الغدير وجاء بعده الحارث إبن ثعلبة، ثم ملك ابنه جبلة بن الحارث الذي بنا القناطر والأدراج والقسطل، وخلفه ابنه الحارث بن جبلة.
    كانت الأوضاع السياسية والعسكرية خلال عهد هؤلاء مضطربة، حيث في عام 502 م هاجم قباذ ملك الفرس والنعمان الثاني بن أسود ملك الحيرة الجزيرة الفرانية وشمالي سوريا، وأضطرت الجيوش البيزنطية نتيجة الضغط العسكري إلى الانسحاب والعربية، فسقطت آمد في 503 م التي دفعت فدية من المال لتحرر نفسها.
    لم يقف الحليفان البيزنطي والغساني موقف المتفرج تجاه هذا الهجوم بل رد الغساسنة في نفس السنة بشن هجوم أدى إلى حصار الرها، وإجبار قباذ على التفاوض وقبول الصلح والتباحث في الشروط .
    ومن العوامل التي أدت إلى سقوط مملكة الغساسنة الإجراء البيزنطي الذي أثار أبناء المنذر بعد أن تم إيقاع أبوهم وأسره، ثم نفيه إلى صقلية من طرف موريس بعد توليه عرش البيزنطي فشقوا عصا الطاعة على الدولة البيزنطية فتركوا ديارهم وتحصنوا في البادية، وشنوا غارات على المناطق البيزنطية بقيادة النعمان، وهو الأخ الأكبر، وقد تصدعت إمارة الغساسنة نتيجة هذه الأحداث وتفككت واتخذت كل قبيلة أميراَ عليها وهم مشايخها وقد تصارعوا على السيادة والرئاسة.
    4.    مملكة كندة:
    كنده قبيلة قحطانية في عرف النسابين، تنسب إلى "ثور بن عفير بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن زيد بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ "، و " ثور " هو " كنده".
    وقد عرفت عند الإخباريين بـ "كنده الملوك"، لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بني عدنان. ولأنهم ملكوا أولادهم على القبائل. وكانوا يتعززون بنسبهم إلى كنده، والى " آكل المرار "، لأنهم كانوا ملوكاً.
    و "كنده" هي "كدت" القبيلة التي ورد اسمها في نصوص المسند، مثل نص "أبرهة". بل ورد اسمها في النصوص المذكورة قبل هذا العهد بكثير.
    مملكة كندية كانت قد تكوّنت في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وفقا لـ "جامة". وقبل هذا الوقت فيما لو ذهبنا مذهب غيره ممن يرجعون مبدأ تأريخ سبأ إلى أقدم من تقديره ومن تقدير "ريكمنس". ونحن أيضاً بموجبه أمام ملك من ملوك كنده اسمه "ربعت ذا الثورم" أي "ربيعة" من "الثور"، أي من "آل ثور"، فهو إذن من صميم كنده. حيث أن أهل الأخبار ينسبون كنده إلى "ثور بن عفير"، ويظهر أنهم أخذوا "ثور" القديم، وهو اسم عائلة أو بيت أو عشيرة من كنده، فصيروه الجد الأكبر لكنده. وأعطوه النسب الطويل المذكور.
    وكانت كنده "كدت" مستقلة وعلى رأسها ملك، في أيام "الشرح يحضب" كذلك. وكان ملكها من المناهضين المعادين للملك "الشرح يحضب"، فاشترك في الحلف الكبير الذي تألف ضد مملكة "سبأ وذي ريدان"، والذي امتد من الجنوب نحو الشمال، وشمل البّر والبحر. وقد أصيبت "كنده" بهزيمة في القتال الذي نشب بينها وبين جيش "سبأ"، ووقع ملكها واسمه إذْ ذاك "ملكم" مع عدد من رؤسائها وكبرائها "مراس واكبرت"، فيَ الأسر. وسيقوا إلى "مأرب"، وأبقوا في الأسر حتى وافقوا على وضع أولادهم رهائن عند ملك "سبأ وذي ريدان" وعلى إعطاء عهد بعدم التحرش مرة أخرى بمملكة "سبأ وذي ريدان" وبمساعدة أعدائها. وقد وافق "مالك" على إعطاء عهد بما طلب منه ووضع ابنه رهينة، كما وضع رؤساء وكبراء كنده أولادهم رهائن لديه، فأفرج بذلك عنهم.
    وأقدم رجل في كنده تحدث عنه الإخباريون بشيء من التفصيل والوضوح، هو "حجر" الملقب ب "آكل المرار"، وهو ينسب إلى "عمرو بن معاوية ابن ثور بن مرتع بن معاوية" على رواية، والى "عمرو بن معاوية بن الحارث الأصغر بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن كنده" على رواية أخرى.
    ورويت روايات أخرى تختلف عن هذه السلسلة بعض الاختلاف. وذكر انه كان أخاً ل "حسان بن تبع" لأمه. فلما دوّخ "حسان" بلاد العرب، وسار في الحجاز، وهمّ بالانصراف، ولىّ أخاه "حجراً" على "معد بن عدنان" كلها، فدانوا له، وسار فيهم أحسن سيرة.
    5)    مكة المكرمة:
    مكة بلد في واد غير ذي زرع، تشرف عليها جبال جُرد، فتزيد في قسوة مناخها. ليس بها ماء، غير ماء زمزم، وهي بئر محفورة، وآبار أخرى حفرها أصحاب البيوت، أما مياه جارية وعيون غزيرة، على ما نرى في أماكن أخرى، فليس لها وجود بهذا المعنى هناك. وكل ما كان يحدث نزول سيول، قد تكون ثقيلة قوية، تهبط عليها من شعاب الهضاب والجبال، فتنزل بها أضراراً فادحة وخسائر كبيرة، وقد تصل إلى الحرم فتؤثر فيه، وقد تسقط البيوت، فتكون السيول نقمة، لا رحمة تسعف وتغيث أهل البيت الحرام.
    كان لحواضر الحجاز، قبيل ظهور الدعوة الإسلامية، دور بارز في الجزيرة العربية يتمثل في المركز الديني والتجاري الذي تبوؤه وبخاصة مكة، وفي المكانة التجارية التي بلغتها قريش والتي مهدت لها الطريق لتتولى زعامة عرب الحجاز السياسية في المرحلة التاريخية التي سبقت ظهور الإسلام ومن ابرز حواضر الحجاز مكة، يثرب والطائف، وتعتبر مكة مركز الثقل في الجزيرة العربية قبل الإسلام.
    والحجاز بصفة عامة ومكة خاصة تشكل منطقة ذات خصوصية متميزة بوصفها قاعدة انطلاق التاريخي لحركة التطور في بلاد العرب، وملتقى اكبر الطرق التجارية العالمية حاملة إليها مكتسبات التاريخ البشري، وتعد مكة نموذجا حيا بما حوته من نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية والتي عرفتها تلك المدن.
    يعتبر اسم مكة قديم في المدى الزمني واصله بابيلى، مشتق من كلمة مكا وتعني البيت العتيق، وهو اسم الكعبة عند العرب، يدل ذلك على قدم هذه المدينة.
    إن أصل مكة مشتق من اسم مكرب أو مقرب الكلمة العربية، وهو اللقب الذي يحمله كهنة سبأ قبل أن يتحولوا إلى ملوك، وتعني الهيكل أو المقرب إلى الله وذلك بصفتها مدينة مقدسة كما أن مكة مشتقة من كلمة المكوك لأنها تقع بين جبلين مرتفعين عليها، وهي هضبة بمنزلة المكوك.
    وذكر القرآن بأسماء عديدة منها: البلد الأمين أم القرى، البيت الحرام، البيت العتيق لأنها أقدم بيت، أي مسجد.
    ·        الإطار الجغرافي و المناخي لمكة:
    تقع مكة وسط الحجاز الذي يمتد من حدود اليمن جنوبا من أطراف بوادي الشام شمالا، ويفصل بين غور تهامة وبين هضبة نجد، بواد غير ذي زرع وتحيط بها الجبال من الجهات كلها بحيث تشكل دائرة حول الكعبة، وشكلت لها حماية طبيعية ومن ناحية أخرى تهددها السيول بعد الأمطار، وقد هدمها مرات عدة.
    اعتمد سكان مكة على المدن الأخرى في معيشتهم وأقواتهم، تأتيهم من الطائف ومن السراة، ويميز مكة جو حار وجاف ساعد على انتشار الأمراض و الأوبئة.
    تاريخ مكة:
    يرجع تاريخ مكة إلى حكم العماليق وعليهم السميدع بن هوجر بن لاوي وخلفهم بنو جرهم القحطانيون، ولكن يرتبط اسمها وبناؤها إلى النبي إبراهيم عليه السلام الذي هاجر إلى ارض كنعان حوالي عام ( 1850 ق م ) وبأمر لله تعالى، خرج إبراهيم من جنوبي فلسطين بزوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل إلى مكة، وورد في القرآن الكريم إشارات واضحة عن قصة إبراهيم، قال تعالى: " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " إبراهيم الآية 37.
    وبعد انهيار سد مأرب ، هاجرت قبيلة خزاعة من اليمن إلى مكة والحلول محلها، وانقضوا على جرهم وطردوهم منها وأول من تولى أم البيت هو عمرو بن لحي الذي أدخل الأصنام ونصيها حول الكعبة.
    ·        عوامل بروز مكة على المسرح السياسي:
    أ‌-       وقوعها في واد غير ذي زرع كان حافزا على تعاطي الأعمال التجارية.
    ب‌-   موقعها الجغرافي المتميز على أحد أهم طرق التجارة الشرقية في منتصف الطريق المعبد للقوافل بين اليمن والشام
    ت‌-   تحول التجارة الشرقية إلى غربي الجزيرة العربية بسبب الحروب الطويلة بين الفرس وبيزنطي وظهور مملكتين تابعتين هما المناذرة والغساسنة
    ث‌-   انهيار التجارة اليمنية بفعل الغزو الحبشي.
    ·        نزاع قريش حول السلطة:
    بعد أن هرم قصي ومنح لابنه عبد الدار دار الندوة والحجابة واللواء والرفادة والسقاية مما سبب فتنة بين الأخوة واندلعت الخلافات بينهم فانقسموا إلى قبائل تقاتل بعضها البعض.

    الخاتمة:
    عاش العرب الجاهليون في جزيرتهم منقسمين إلى قبائل يخضعون لمشيئة شيخ القبيلة، ويأتمرون بأمره، ويسيرون بهدديه، في حين تتفرع القبيلة إلى بطون وأفخاذ لكل منها زعيم ولكن يجمعها عصبية قبلية، وشكلت الأسرة العربية أساس القبيلة العربية، كما شاع عند العرب ظاهرة الوأد، على اعتبار أن العرب بحكم حروبهم فضلوا البنين على البنات.
    وينقسم العرب في مجموعتين إلى قسمين متميزتين اليمنيون في الجنوب والقيسيون في الشمال وفي هذا الوسط الذي ذكرناه ولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام في مكة فأخذ يبشر بدين التوحيد والدعوة إلى الله وإصلاح وترميم أخلاق العرب، وبعون الله تم فتح مكة، وما لبثت القبائل العربية إلا أن أقبلت على دين الله الواحد الأحد فصهرت الجزيرة العربية في وحدة دينية وسياسية متماسكة لم تعرف مثلها من قبل.

    المراجع:


    1)    جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جامعة بغداد، العراق، ط2 ، ج1 ، 1993.
    2)    محمد سهيل طقوش: تاريخ العرب قبل الإسلام، دار النقاش للنشر والتوزيع، بيروت لبنان، ط 1، 2009.
    3)    عبد العزيز صالح: تاريخ شبه الجزيرة العربية، مكتبة الانجلو المصرية، مطبعة جامعة القاهرة، 1992.
    4)    ديزيره سقال: العرب في العصر الجاهلي، دار الصداقة العربية، بيروت، ط 1، 1995.
    5)    جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، جامعة بغداد، العراق، ط2 ، ج2 ، 1993.
    6)    Arab dan form http://www.arab-dna.com/arab/  21/11/2015/13 :48
    8)    المصدر: من الانترنت ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
    شارك المقال
    مدونة علوم الاعلام والاتصال
    كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة علوم الاعلام والاتصال .

    مقالات متعلقة

    إرسال تعليق