-->

إقتصاديات الصحافة الامريكية

    المقدمة:

    تسعى المؤسسة الصحفية إلى تحقيق رسالة الصحافة وتوعية الرأي العام وتثقيفه وتوجيهه كهدف رئيسي لها وفي سبيل القيام بهذا الدور الإعلامي الكبير يجب أن تكون المؤسسة الصحفية في مركز مالي يحقق لها الإستقلال الاقتصادي حيث تحتل نشاطات الإعلام والاتصال اليوم مكانة كبيرة في إقتصاد كل دولة ويبرز ذلك من خلال فرص العمل وحجم رؤؤس الأموال والصناعات المتصلة بالإعلام.
    وعليه فإن الإعلام بمختلف وسائله قد أضحى المورد الذي تتوقف عليه بقية الموارد إذ انه سيحتل المكانة التي كانت لرأس المال حيث أصبحت الصحف مؤسسات إقتصادية كبرى ذات إستثمار ضخم مما ترتب زيادة الاهتمام به من طرف الدول الصناعية الغربية من أجل السيطرة عليه وتطويره بالشكل الذي يسمح لها من الرفع في حجم مداخيل هذا القطاع الحيوي وهذا ما سنتناوله في بحثنا هذا حيث سنستعرض التجربة الغربية في مجال إقتصاديات الصحافة وأفاق تطويره من خلال النموذج الأمريكي لإقتصاديات الصحافة.










          I.            مدخل إلى الصحافة الأمريكية:

    1- تاريخ الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية:

    تعتبر بداية الصحافة الأمريكية عن طريق أول صحيفة أسست من طرف المستعمر البريطاني وهي بسطن نيوز في 1960 ولم يصدر منها سوى عدد واحد وكانت الصحيفة الثانية وهي صحيفة مستقلة أصدرها بنجمن فرنكلين عام 1704 وهي صحيفة بنسلفينيا جازيت في فلادلفيا.
    وكانت معظم الصحف الأمريكية تقلد الصحف الإنجليزية ولكن ما تعرضت إليه من ضعف التوزيع وم الرقابة المشددة التي كانت تفرضها عليها السلطات الإنجليزية جعلها تعيش حياة قصيرة وقد بلغ عدد هذه الصحف عام 1775. 34 صحيفة وعام 1782. 43 صحيفة.
    وشهدت الصحافة الأمريكية بعد الحرب عام 1782. تطورا كبيرا وكانت الصحيفة الأولى هي بنسلفينيا بوكيت وفي عام 1800 كان في الولايات المتحدة 200 صحيفة بينها سبع عشر صحيفة يومية.

    2- بداية الإهتمام بإقتصاديات الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية:

    يقول المؤرخ دانيال بورستين : في معظم تاريخ الصحافة الأمريكية كان إستقلال الصحافة الأمريكية ووجودها مرتبطا بالروح التجارية وظرورة أن يقدم للمشتري ما يساوي ما دفعه من نقود في السوق المفتوحة وفي العصور الإستعمارية كان أصحاب المطابع الإستثماريون يهدفون إلى بيع المعلومات العملية للجمهور خاصة بيع الأخبار التجارية لطبقة التجار
    كانت الصحافة في بدايتها صحافة نخبوية أي تباع بمبالغ كبيرة فمثلا صحيفة نيويورك تايمز كانت تباع ب 6 سنتات أي أكثر من القدرة الشرائية للمواطن 1.30 دولار.
    إلا أن الصحافة النخبوية تلاشت في منتصف القرن التاسع عشر مع وصول صحافة البنى أي تلك الصحف التي كانت تباع بسنت واحد والفكرة التي كانت وراء تلك الصحيفة اليومية أنها رخيصة السعر تستطيع الوصول إلى جمهور عريض يزداد معرفة بالقراءة والكتابة.
    فقد ظهر في أمريكا الصحفي بيمجمين داي الذي كان عامل طباعة وكان يفهم ذوق الطبقات الشعبية فأصدر جريدته التي سماها الشمس وأهتم بالإثارة وكانت منخفضة التكلفة وبعد سنوات إستطاع أن يتفوق على جريدة التايمز اللندنية وأخذ جردن بينيت الفكرة وأسس جريدته المورنج هيرالد قم سميت بعده بنيويورك هيرالد وكان شعارها لا تنشر أبدا مالا تستطيع طباختك أن تفهمه وكان هذان الثنائي من أعمدة الصحافة الشعبية في أمريكا.

      II.            الصناعة الإعلامية في الصحافة الأمريكية:

    1)    ملكية الصحافة في أمريكا وحريتها:

    تعتبر المؤسسات الصحفية في أمريكا كغيرها من المؤسسات الإقتصادية والصناعية فملكيتها تعود إلى الخواص وهذا بحسب دستور الولايات المتحدة الذي ينص على الحرية وحمايتها وفق النظرية الليبرالية حيث تفيد هذه الأخير بأن الصحافة ينبغي لها أن تكون قاعدة كبيرة من الحرية كي تساعد الناس في بحثهم عن الحقيقة ولهذا فقد تطورت وظائف الصحافة لتشمل التنوير العالم، خدمة النظام الإقتصادي، خدمة النظام السياسي والمحافظة على الحقوق المدنية والحصول على الربح وتوفير الترفيه.
    ولكن مع مرور الوقت عرفت الملكية للوسائل الإعلام وعلى رأسهم الصحافة تغيرا كبيرا حيث تغيرت هياكل المؤسسات الإعلامية الأميركية تغيرًا جذريا خلال ربع قرن، وعلي وجه التحديد في العقد الأخير. فاندمجت عشرات بل مئات من الصحف وشبكات الإذاعة والتليفزيون الصغيرة في مؤسسات إعلامية عملاقة من مؤسسات متعدية الجنسية قد لا يزيد عددها عن عشر شركات عملاقة تضم اليوم أبرز 300 مؤسسة صحفية كبرى في العالم أصبحت تشمل شبكات التليفزيون الرئيسية، وأهم المحطات الإذاعية، وقنوات الكوابل التليفزيونية، واستوديوهات الأفلام السينمائية، ومعظم دور نشر الكتب والمجلات.
      أصبحت هذه المؤسسات تمثل إمبراطوريات إعلامية ضخمة، تسيطر علي صناعة الصحافة والنشر والسينما والفيديو والكاسيت.. وكلها فروع إعلامية تخدِّم علي بعضها البعض، وتخضع لرؤوس أموال عاتية النفوذ والتأثير.
    نذكر من هذه الشركات شبكة فوكس، التي يملكها اليهودي روبرت ميردوخ، وشركة كلير تشانل كومنيكاشين – وهي شركة إعلام أمريكية عملاقة تملك بدورها العديد من وسائل الإعلام المرئي والمسموع وتعتبر محطة كلير من أبرزها،  هذا إلى جانب شبكات الإن بي سي " أو" أيه بي سي " أو سي بي سي " )، وصحيفة  " نيويورك تايمز "  و"يو أس تودي " وغيرها.
    ويبدو أن تشابك المصالح بين السلطة التنفيذية وكبار رجال الأعمال والشخصيات المتنفذة في المجتمع من ناحية وبين ما يمكن أن تجنيه الصحيفة أو شبكة التليفزيون من مكاسب من ناحية أخري، أخذ يؤدي إلى مساومة علي أولوية الخبر الصحفي ومدي أهميته بالنسبة للرأي العام ومصالح الأغلبية في أمريكا، ما يفقد صحافة الخبر وفنون «التحقيق في العمق» مواقعها المتقدمة، كما يُفقد العاملين في الصحافة حرية التعبير المفترض أن ينعمون بها.
    هذا ما أكده عدد من الإعلاميين الأمريكيين أثناء ورشة عمل نظمتها مؤسسة آسبِن العالمية مؤخرا في مدينة الأقصر الأثرية في جنوب مصر وضمت صحفيين عرب وأمريكيين، حيث قدم كبار محرري "نيويورك تايمز" و "واشنطن بوست" و "وول ستريت جورنال" إضافة إلى عدد من منتجي برامج إخبارية في شبكتي "أي.بي.سي" و"سي.ان.ان" التلفزيونية، قدموا اعتذارا عما يمكن تسميته بتواطؤ الأعلام الأمريكي مع إدارة الرئيس بوش على حساب حرية التعبير.
    ومنه فقد برزت ظاهرتان هما ظاهرة التركيز والإحتكار في الصحافة الأمريكية
    1-  ظاهرة تمركز ملكية الصحف ضمن مجموعات وتضخم سلاسل الصحف:
    الوقائع التالية تشير إلى أنه منذ عام 1945 زاد عدد مجموعات الصحف التي تتراوح في حجمها بين صفحتين و80 صفحة يومية تحت ملكية واحدة من 60 إلى 165 في الولايات المتحدة وتمتلك هذه المجموعات أكثر من 60% من 1812 صحيفة يومية ومازالت هذه الظاهرة تنمو بإستمرار ففي عام 1978 آلت ملكية 47 من 53 صحيفة يومية غيرت ملكيتها إلى مجموعات وقد أصبح وجود الصحف الإحتكارية هو القاعدة بعد أن كانت إستثناء.



    2-  دمج الصحف مع وسائل إعلامية أخرى:
    في الولايات المتحدة تمتلك الصحف سواء كانت فردية أو مملوكة لمجموعات ما يقارب 650 محطة إذاعة و 190 محطة تلفزيون وهنالك ما يقارب من 60 مجمعا محليا تمتلك فيها الصحف محطات تلفزيونية محلية تبث برامجها في المنطقة نفسها.
    3-  تداخل قطاع الصحافة مع سائر القطاعات:
    إن ظاهرة التركيز تثير قلق الكثيرين من الناس لأنها تمثل في نظرهم تهديدا صحافة حرة متعددة وتهديدا لفرص العمل بالنسبة للصحفيين وتركيز الصحافة هو خطر على القراء والصحفيين وأصحاب الوحدات الصغيرة على حد سواء وبرغم ذلك هناك أمثلة على حرية الصحافة ممثلة بمجهودات وسائل مستقلة وصل حد التسبب في إستقالة رئيس أمريكا ريتشرد نيكسن بسبب التجسس على مقر حزب الديمقراطيين.

    2)    صناعة الصحافة في أمريكا:

    تعد الصحف والمجلات الأمريكية نتاجاً للنظام الأمريكي بكل جوانبه، وتعكس صورة هذا النظام وتؤثر وتتأثر به، وتساعد السياسة الخارجية الأمريكية على تحقيق أهدافها عن طريق: - العمل ضمن إطار المصالح الأمريكية في العالم؛ - والدعوة لهذه المصالح، وتغطية أنباء مختلف فعاليات السياسة الخارجية الأمريكية على نطاق عالمي واسع، وتختار لذلك اللغة المفهومة للجمهور الإعلامي، والأسلوب والمنطق الإعلامي المقبول لدى الجمهور الإعلامي الذي تتوجه إليه.
    ومتوسط توزيع الصحف اليومية ذات الاهتمامات العامة كان يزيد عن 59 مليون نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في أواخر القرن الماضي. وذكرت بعض المراجع أن أوروبا استهلكت 38% من الصحف اليومية في العالم، وأن أمريكا الشمالية استهلكت 23% من تلك الصحف، وأن القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية إستهلكت حوالي 26% من الصحف الدولية على الرغم من أن سكان هذه القارات يشكلون 70% من سكان العالم. ومن الصحف الدولية البارزة في الولايات المتحدة الأمريكية: نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وشيكاغو تريبيون، ونيويورك ديلي نيوز. ومن الصحف البريطانية: تايمز، وغارديان، وفايننشال تايمس، وصنداي تايمز. ومن الصحف الفرنسية: لوموند، ولورور، ولوفيغارو. إضافة لصحيفة إنترناشيونال هيرالد تربيون التي أنشأت عام 1887 وتصدر في باريس إلى جانب إصدارها من قبل صحيفة نيويورك تايمز، وصحيفة واشنطن بوست في الولايات المتحدة الأمريكية.

    3)    نماذج لبعض المؤسسات الصحفية الكبرى في أمريكا:

    1.    تايم أنكوربوريتد TIME TNCORPRATED :
    من أهم المؤسسات الصحفية الأمريكية المتخصصة بإصدار المجلات، تأسست في عام 1923. وأهم المجلات التي تصدر عنها: تايم ويطبع منها حوالي 3 ملايين نسخة توزع في مختلف أنحاء العالم. وسبوتز اللستريتند وفورتشن وهذه المجلات الثلاث تؤمن للشركة ثلاثة أرباع دخلها السنوي العام وللشركة أيضا نشاط في حقل نشر الكتب والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني وصناعة الورق. وفي عام 1972 توقفت مجلة لايف التي تصدر عن هذه الشركة، وفي عام 1973 وسعت الشركة نشاطها بشراء تامبل اندستريز التي تعمل في قطاع الغابات.
    2.    تايمز ميرور كومباني TIMES MIRROR CO:
    شركة أمريكية، تأسست في عام 1887 في ولاية كاليفورنيا تنشط بشكل رئيسي في حقل الصحافة ولها نشاط ثانوي في حقل نشر الكتب وإستثمار الغابات، وإنتاج البرامج التلفزيونية، يتناول نشاطها بشكل خاص غربي الولايات المتحدة الأمريكية وجنوبها حيث تصدر صحيفة لوس أنجلس تايمز وهي ثاني صحيفة أمريكية من حيث الإنتشار، والأولى من حيث الإعلانات، ونيوزداي ودلاس تايمز هيرالد وآخر مشاريعها شراؤها محطة تلفزيونية في تكساس وإصدارها مجلات رياضية عن الجولف والتزلج وثلاث مجلات إقتصادية.

    III.            مصادر تمويل الصحافة في الولايات المتحدة:

    تتم عملية تمويل الصحف الأمريكية كغيرها من صحف العالم عبر قنوات التمويل التقليدية مع التركيز على مصدر وإهمال مصدر آخر وهذا حسب السياسات المتبعة داخل الصحيفة ونظرتها نحو السوق ويمكن إجمال مصادر التمويل للصحف في الولايات المتحدة كالتالي:

    1)    التوزيع:

    يعتبر التوزيع من مصادر الصحيفة الأول ونظرا لأهميته فقد إهتمت الصحف الأمريكية بإجراء الدراسات المستفيضة حول التوزيع وقد أثبتت بعض هذه الدراسات أن هنالك وقتا معينا يكون فيه بيع الصحيفة أكثر من أي وقت آخر كما أن أرقم التوزيع أصبحت دليلا للمعلنين .
    v    العوامل المؤثرة على التوزيع:
    ü     جودة التحرير والإخراج:
    تشهد الساحة الأمريكية منافسة شديدة من طرف الصحف ولهذا فإن جودة الفنون الصحفية وحدها لا تكفي بل يجب أن تتعاون مع المهارة التجارية لتحقيق توزيع يلبي حاجيات أكبر عدد من القراء ولذلك فإن إعداد الصفحة الرئيسية يتم إعطاؤه إهتماما كبيرا حيث يقول أحد أصحاب الصحف الأمريكية بأن مهمته الحصول على متفرجين وأن صحيفته يجب أن تكون ممتعة إل أقصى حد ليس للنظراء أو العقلاء أو ذوي النفوس الطاهرة بل للكتلة الكبيرة من الجماهير لا تتسم بإنسانيتهم الضعيفة.
    ü     إصدار أعداد ممتازة من الصحيفة:
    من وسائل زيادة التوزيع إصدار أعداد ممتازة في المناسبات الدينية والقومية مثل أعياد الميلاد ورأس السنة وغيرها من الأعياد التي تخصص لها الصحافة حيزا كبيرا فمثلا نجد بعض الصحف تخصص صفحات من أجل وضع إرشادات ونصائح للتسوق في عيد رأس السنة أو وصفات من أجل الديك الرومي في عيد الشكر.
    ü     العرض الجيد:
    تقوم الكثير من الصحف في الولايات المتحدة بعرض سلعها مثلم تفعل بقية المحلات التجارية فمنها من توحد زي عمال بيع الجرائد أو إختيار الموقع المناسب، أو الإتفاق مع البلديات من أجل توحيد أكشاك البيع.
    ü     التجديد:
    ü     وسائل المواصلات:
    يمكن ملاحظة الصحف في الولايات المتحدة أنها تحمل في أسمائها مدن أو ولايات وهذا من أجل التحمس الشديد إلى الأخبار المحلية
    ü     الصحف الإقليمية والصحف القومية:
    نجد في الولايات المتحدة أن هنالك جريدتين فقط تتجاوزان رقم المليون وهما الدايلي نيوز في نيويورك وولستريت جورنال وهذا راجع إل أن تأثير الصحف الإقليمية واسعة الإنتشار على توزيعيها فالقراء في الصحيفة الأمريكية يكنون لصحيفتهم كل الولاء ويحرصون على قراءتها.

    2)    الإعلانات:

     بالنسبة إلى الإعلان في المجتمع الأمريكي فإن الصحيفة لا تستطيع الصدور بغير أعلانات ويكفي أن نعلم أن حصيلة الإعلانات في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 75 بالمأة من موارد الصحف في المتوسط.
    وبالعودة إلى تاريخ الولايات المتحدة نجد أن هنالك محاولات لنشر صحف بلا إعلانات إلا أن أصحابها وجدوا أنفسهم يسبحون عكس التيار
    بل أثبت من جانب آخر أن بعض الصحف تستطيع أن تعتمد على الإعلانات وحدها بحيث تباع بالمجان وتحقق ربحا في نفس الوقت فقد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية مثل هذا النوع من الصحف في المدن الكبرى الذي يوزع بالمجان ويعتمد على إيرادات الإعلانات الموجهة إلى المستهلك المنطقة.
    وأما عن الدور الاقتصادي الذي يلعبه الإشهار مقارنة بسوق المبيعات، فقد تم إحصاء في الولايات المتحدة الأمريكية المداخيل الإعلانية بنسبة 87  % مقارنة بنسبة %13 من موارد المبيعات.
    على صعيد آخر نجد بعض المؤسسات الصحفية في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتمد على مداخيل الإشهار بنسبة 100 بالمائة  مستغنية بذلك على إيرادات التوزيع وهي توزع منتوجها مجانا، و تعرف" بالصحف المجانية"  التي لا تهتم بالمادة التحريرية بل جل اهتمامها يكمن في كيف تسوق مساحاتها البيضاء للمعلن.

    3)    بيع المرتجعات من نسخ الصحيفة و بيع مخلفات العمليات الطباعية:

    يتم بيع المرتجعات من الصحف في أمريك كغيرها من البلدان المتطورة صناعيا حيث يتم إعادة طبعها ورقا جديدا، كما أن مخلفات العملي الطباعية تباع في معظم الأحوال بين الحين والآخر حتى لا يتكلف الاحتفاظ بها في المخازن أكثر من ثمنها.

    IV.            منافسة الصحافة الإلكترونية للورقية في الولايات المتحدة:

    يرى بعض الباحثون أن انتشار الصحافة الإلكترونية سيحدث انقلابا في التوازنات الاقتصادية التي بنت عليها الصحافة المكتوبة، و يكمن تأثير الصحافة الإلكترونية على اقتصاديات الصحافة المكتوبة في المظاهر التالية :

    1- تراجع نسبة المقروئية للصحف المكتوبة :

    أكدت بعض الدراسات أن الوقت المخصص لمطالعة الصحافة المكتوبة يتقلص، حيث تظهر في الولايات المتحدة وبحسب تحقيق أجراه مركز Pew Research Center، فإن نسبة الأشخاص المستجوبين الذين تصفحوا جريدة عشية إجراء التحقيق، انتقل من 49 % سنة 1994 إلى 40 % سنة  2006، و في نفس الوقت، ارتفعت حصة المستجوبين الذين دخلوا الشبكة الدولية انترنت عشية هذا التحقيق من 4 % إلى 53 %.
    وحسب دراسة أعدها ذات المركز ، في الولايات المتحدة فإن حصة الأشخاص البالغة أعماهم بين18-29 سنة الذين طالعوا جريدة عشية إجراء التحقيق، لم يتجاوز 24 % سنة 2006، و هذا مقابل 47 % بالنسبة للبالغة أعمارهم 50-64 سنة و 58  %لأكثر من 65 سنة. 
    وعلى سبيل المثال بلغ عدد مشتركي النسخة الرقمية للصحيفة الأمريكية " نيويورك تايمز " 799 الفا، أي بزيادة 39 الفا حتى نهاية 2013 ، ليرتفع في الربع الأخير من عام 2014 بنسبة 20% تقريبا إلى 910 ألف مشترك بزيادة قدرها 150 ألف مشترك عن الفترة نفسها من العام السابق ، و في المقابل، يستمر عدد مشتركي النسخة الورقية في التراجع .
    وعندما نطالع بعض الدراسات المتعلقة  " بوفاء القراء"  للعناوين الصحفية ، أبدا بعض مسؤولي الصحافة شكوكهم ، حيث كشفوا بأن القراء الذين يقتنون جريدتهم يوميا ، أصبحوا نادرين أكثر فأكثر، و في المعدل العام يقتني مستهلك منتظم نسختين لجريدة ما خلال الأسبوع .

    2- ‌ تراجع في المبيعات :

    كان للصحافة الالكترونية على أثر على اقتصاديات الصحافة المكتوبة و ذلك على حجم التوزيع ( تراجع توزيع الصحف المكتوبة ) ، باعتبار أن نسبة المقروئية انخفضت على حساب الصحافة الالكترونية ، و يمكن تخفيفه من خلال تبني استراتيجيات للزيادة في سعر البيع ، علما أن مداخيل الصحف من سوق المبيعات  ليس بنفس الحجم من جريدة إلى أخرى .
    و في هذا الصدد أشارت دراسة أعدتها مجموعة رستون Reston أن قراءة النسخة الالكترونية سيؤثر على مبيعات الصحيفة المطبوعة نفسها ، و حسب ذات الدراسة فإنه لتعويض ذلك فإن تلك المواقع تقوم بالتوسع في نشر الاعلانات لأكبر قدر ممكن من الزوار اليوميين .
    يجدر بالذكر أن مشكل تراجع توزيع الصحف المكتوبة لا يرجع فقط الى ظهور الصحافة الالكترونية بل ظهر مشكل التوزيع قبل ذلك .

    3- تراجع المداخيل الاشهارية من الصحافة المكتوبة على حساب مداخيل الاعلان الإكتروني :

    تمثل المداخيل الاشهارية في الصحافة المكتوبة مصدر تمويلها الأول ، غير أن تطور مداخيلها الاشهارية بدأت في التراجع بمقدار 4% في النصف الأول لعام 2012 ، نظرا لانخفاض مقروئيتها و كذلك  حجم توزيعها ، و بالتالي اتجاه المعلن الى الوسيلة الاعلامية التي تسمح له بتسويق منتجاته إلى جمهور عريض ، أصبح يتمثل في الملايين من المتصفحين لمختلف مواقع الصحف الالكترونية .
    و بما أن الصحافة الالكترونية لا تخضع للضغوط المادية المرتبطة بالطباعة و دورية الصدور ، تسمح الانترنت للمعلنين و المهتمين بشأن الإشهار من التعديل السريع و السهل لحملتهم الإشهارية حسب الأثر المرغوب فيه .و يمكن قياس الفعالية الإشهارية في الحين عبر معدلات اللمس على الشريط الإشهاري الكائن بموقع معين، أو عدد اللمسات على رابط في محرك ما للبحث .[11]
    وفي هذا الصدد تشير بعض الإحصائيات أن إيرادات الإعلانات على شبكة الإنترنت في الولايات المتحدة وصلت إلى 9.3 مليار دولار أمريكي في الربع الثالث لعام 2012، مما يجعل هذا الريع هو الأكبر على الاطلاق في تاريخ هذه الصناعة. وتأتي هذه الايرادات مرتفعة بمقدار 18% عن نفس الفترة في العام الماضي وبازدياد 6% عن عائدات الربع الثاني لـ 2012 (المقدرة بـ 8.72 مليار دولار).
     وإذا ما قارنا مبلغ النفقات على الإعلانات في الولايات المتحدة الأمريكية بين التلفزيون و الانترنت، لوجدنا أن النفقات على الإعلانات التلفزيونية في ذات البلد بلغت في النصف الأول لعام 2012، 22 مليار دولار، مقابل 17 مليار دولار على الإعلانات على شبكة الانترنت في نفس الفترة.
    وعلى الرغم من أن الفارق هو 5 مليارات دولار، وهو ليس بالرقم القليل، إلا أنه يظهر بوضوح الحصة الكبيرة التي يستحوذ عليها الإعلان الإلكتروني في عالم التسويق كأداة هامة للإعلان إلى جانب الإعلان التلفزيوني التقليدي.
    أما في نهاية عام  2012  فقد ارتفعت عائدات الإعلان على الانترنت في الولايات المتحدة، إذ وصلت إلى 31 مليار دولار أميركي، لتقفز بنسبة  22 بالمئة عن العام 2010، و ذلك بحسب دراسة نشرتها شركة "ايب" المتخصصة في دراسة سوق الإعلان الالكتروني.
    ومن جهة أخرى اعلنت صحيفة نيويورك تايمز عن ارتفاع ايراداتها الاعلانية المتأتية من نسختيها الالكترونية في الربع الاول من 2014، حيث حققت 158,7 مليون دولار أي بزيادة نسبتها 3,4 %.مقارنة بالعام السابق . يجدر بالذكر أن نيويورك تايمز حققت أكبر الأرباح على نسختها الالكترونية، مع استمرار خسارة النسخة الورقية، حيث تراجعت حصيلة الإعلانات في الإصدار المطبوع بنسبة 6.6% مما أدى إلى تراجع أرباحها الإجمالية.

    4- إختفاء عدد من الصحف المطبوعة :

     إن زيادة عدد الزائرين أو المتصفحين للنسخ الإلكترونية للصحف ، واعتمادهم عليها في التعرف على الأحداث اللحظية التي تقع ليس في موقعهم فحسب، وإنما في مختلف دول العالم بأقل التكاليف، أدى إلى بدء سقوط الصحف الورقية أمام الإلكترونية، حيث شهد العام بصفة عامة اختفاء عدد من الصحف المطبوعة، و بشكل خاص في الولايات المتحدة، أو اندماجها مع صحف أخرى، و بالرغم من أن عدد الصحف التي اختفت مازال قليلا قياسا بعدد الصحف في الولايات المتحدة ، إلا أن ذلك يعد مؤشرا على إمكانية اختفاء الصحف المطبوعة خلال العقدين القادمين ، و هذا ما حدث مع العديد من الجرائد نذكر منها :
    جريدة الواشنطن بوست التي أعلنت عن التوقف عن إصدار نسختها المطبوعة.
    صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"  (The Christian Science Monitor ) الامريكية الشهيرة التي تصدر منذ مائة عام ( 1908) التي أعلنت عن إيقاف نسختها الورقية نهائيًّا ابتداء من مطلع عام 2009، والاكتفاء بالصدور على موقع الانترنت (يتجاوز زوَّاره  المليون قارئ ). وسوف تكتفي بإصدار عدد ورقي مرة واحدة في الاسبوع في شكل مجلة.
    وبررت ادارة تحرير الصحيفة هذه الخطوة غير المسبوقة بالنسبة لصحيفة كبرى باعتبارات كثيرة، منها ، الانخفاض الكبير في التوزيع ، اذ انخفض من 200 ألف نسخة في السبعينيات إلى 52  ألف نسخة فقط في الوقت الحاضر، و منها انخفاض حصيلة الاعلانات، والرغبة في خفض النفقات وتقليص اعداد العاملين بها. و ادارة الصحيفة تعتقد أن هذا التحول إلى الانترنت سوف يدعم مكانتها ويعزز وضعها.
    فمثلا، صحيفة كبيرة مثل "لوس انجلوس تايمز" اضطرت في 2008 إلى الاستغناء عن 75 من طاقمها التحريري لينخفض طاقم محرريها والعاملين فيها إلى نصف العدد الذي كان عليه قبل سبع سنوات، ومثلا، صحيفة مثل "ستار ليدجر" (  Star-Ledger ) والتي تحتل المرتبة ال 15 على قائمة اهم الصحف الامريكية، اضطرت لتخفيض اعداد محرريها بنسبة 40%.. و هكذا هو الحال بالنسبة لأغلب الصحف.
    وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد أعلنت في أكتوبر من عام 2014 عن تسريح حوالي 100 موظف في غرفة الأخبار بما يعادل 7.5% تقريبا من عدد العاملين بها ، و هدفت إدارة الصحيفة من هذا الإجراء تحسين أرباح الصحيفة كي تستمر العمل باستثمارها في مستقبل الصحيفة رقمياً .
    الجدير بالذكر أن تأثير الصحافة الالكترونية على اقتصاديات المكتوبة كان له تأثير مباشر في أمريكا و أوروبا ، لكن في آسيا مثل سوق الهند و الشرق الأوسط ، و العالم العربي ، لا تزال الصحافة الورقية تحافظ على وضعها ، حيث هناك زيادة في الطباعة سنويًّا من 2 إلى 10% ، و لكن حسب المتتبعين فإن التأثير المباشر قد يكون بعد 10 سنوات حينما يتوسع الانترنت و يصل إلى هذه الدول الشرق الأوسط بنسب عالمية.

    الخاتمة:

    نستخلص من خلال ما سبق أن العالم الصحافة في الولايات المتحدة يشهد نقلة نوعية بفضل التكنولوجيا وهذا ما أدى إلى زيادة الإستثمارات وتنوعها وبالتالي أصبحت الصناعة الأمريكية قطاعا حيويا يوفر دخلا معتبرا للإقتصاد الأمريكي ولكن كل هذا التطور لم يخدم جوهر الصحافة بل أساء إليها وأنتقص من مصداقيتها كما أن ظاهرة التمركز إحتكار صناعة الصحافة من طرف قلة من الناس ساهم في تقويض حرية الصحافة فالمعلن أو الممول للجريدة يتحكم في الأخبار ويسمح إلا للخبر الذي لا يضره وبهذا وجب تقييم القطاع بشكل يعزز من حرية الصحافة وإعادتها إل سابق مجدها.

    شارك المقال
    مدونة علوم الاعلام والاتصال
    كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع مدونة علوم الاعلام والاتصال .

    مقالات متعلقة

    إرسال تعليق